الجمعة، 30 ديسمبر 2011

حاجــز الأمـــواج من بريد الجمعة

حاجــز الأمـــواج!
" رسالة من بريد الجمعة "

أكتب إليك بعد صلاة الجمعة لأقول لك وللقراء إن قول الله سبحانه وتعالي وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وانا إليه راجعون .. حق وكلمات الله حق وقرآنه حق ويوم القيامة حق والنار حق والجنة حق, وأن للصابرين حقا وصدقا ثوابا كبيرا ومكافأة أكبر في الدنيا والآخرة.


لقد كتبت لك منذ سنتين قصتي وكنت أكتبها والدموع تنساب فوق حروفها وقد تفضلت بنشرها تحت عنوان (قانون السماء) ونصحتني بالصبر وأن أحتسب زوجتي وابني مؤمن عند الله, حين صدمتهما سيارة فاخرة تقودها فتاة أو شاب حسبما قال الشهود ونال عقابا مخففا, ووعدتني بأن الله سبحانه وتعالي لن يتركني أتخبط في هذه الدنيا وبشر الصابرين. ولقد صبرت فعلا وكنت أتوجه إلي الله سبحانه وتعالي في كل وقت وفي كل حين في كل مناسبة وفي كل صلاة وفي كل ذكري وفي كل مرة أري فيها طفلا يدخل الجامع مع والده للصلاة فأري فيه ملامح ابني وتنساب الدموع دون أن أدري, وبعد سنين من رحيل زوجتي وابني كانت تدفعني رغبة خفية للزواج مرة ثانية, وقد ساق لي القدر زوجة تعرف الله وترعي حدوده وتزوجتها وذهبت بها أنا وابنتي الكبيرة إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة ووضع الله المحبة والألفة بين زوجتي وأولادي واعتبروها أختا كبيرة, وأصبح الحب والعطف يغمران أنحاء المنزل, وعند ذهابي إلى بيت الله الحرام وأمام باب الملتزم جلست أصلي وانسابت الدموع علي خدي متذكرا ذهابي منذ سنوات وأنا أحمل ابني مؤمن وزوجتي الراحلة تمسك بذراعي رحمهما الله. ودعوت الله سبحانه وتعالي بهذا الدعاء (يارب أنت المعوض فعوضني عن زوجتي وارزقني بطفل أسميه مؤمن, ويكون قرة عين لي .. وأنر لي طريقي حتي أعرف ماخفي عني في هذه القضية التي قدمت فيها المباحث شابا علي أنه مرتكب الحادث). وعند نومي وقبل صلاة الفجر مباشرة إذا بي أري رؤيا توضح أن مرتكب الحادث فتاة وليس شابا كما كنا نشك, وقمت من نومي ودقات قلبي مضطربة .. وعندما رجعت إلى القاهرة بدأت البحث مرة ثانية في أوراق هذه القضية, ورأيت أن تقرير النجدة وكروكي الحادث قد اختفيا من هذه القضية, واستطعت أن أصل إلى دائرة النجدة وأحضرت ملف الحادث وفوجئت بأن أصل هذا التقرير قد اختفي من إدارة النجدة ووضعت بدلا منه ورقة بها شخبطة لاتقرأ وموقع عليها من أمين شرطة لاوجود له؟! وذهبت أيضا لأبحث عن حرس أمن المستشفى الذين رأوا الحادث رأي العين وعثرت على أحدهم فأكد لي أن مرتكب الحادث كان فتاة, والتقيت بعد ذلك بصحفي كبير بحكم طبيعة عملي, وعندما عرضت عليه قصتي أقسم لي بأنه رأى الحادث عند ذهابه للمطار وأنه رأي هذه الفتاة وهي تلطم وتصرخ وحضر والدها بالسيارة وهو رجل كبير وحضنها وربت عليها وأخذها بالسيارة وتركوا زوجتي وابني علي الرصيف ينزفان حتي الموت؟

فتقدمت ببلاغ جديد لإعادة النظر في هذه القضية للنائب العام وأمر سيادته بعمل مذكرة معلومات من واقع هذه القضية من محكمة شمال القاهرة, ومازالت الأوراق متداولة وعندي أمل بالله سبحانه و تعالي في عودة الحق ومحاكمة المتهم الأصلي والقصاص منه ومحاكمة كل من تلاعبوا بأرواح الناس وكل من مات ضميره.
ومن الله علي وهمست زوجتي في أذني بأنها حامل وحمدت الله كثيرا ونذرت له سبحانه وتعالي عجلا وتم الحمل بتوفيق من الله ووضعت زوجتي طفلا جميلا وكأنه البدر .. سبحان الله واستخرت الله وسميته مؤمن أيضا كاسم أخيه الذي اختاره الله, والآن أصبح عمره أربعة أشهر وأصبح كل همي في الدنيا هو أن أري ضحكته صباحا عند نزولي للعمل وأن أري ضحكته بعد رجوعي منه, وقبل نومي, وفي بعض الأوقات تذهب بي الهواجس والأفكار بعيدا وأري نفسي وقد أصبحت في السابعة والخمسين من العمر وأتساءل: ماذا إذا وافتني المنية فمن سيقوم برعايته وتربيته والصرف عليه, ولكني أرجع إلي نفسي وأقول إن الله سبحانه وتعالى هو المعوض وحده .. فقد عوضني بزوجتي زوجة كريمة ترعى الله, وعوضني بمؤمن مؤمنا آخر, وهو سبحانه وتعالى لا ينسي عبدا خلقه أبدا, وسيتولى رعايته, خاصة أن الله سبحانه وتعالى قد وضع له الحب والحنان في قلب أخته الكبيرة التي تصحو من نومها إذا سمعت صوته يبكي لتضمه في صدرها وتقبله بكل حنان وفي قلب أخيه الذي يأتي إليه من الخارج ليذهب إليه مباشرة ليحتضنه ويقبله, حمدت الله كثيرا وأحمده كثيرا في كل وقت وفي كل حال كما من الله علي بالذهاب إلى بيته الحرام في رمضان الماضي وكان عمر مؤمن وقتها شهرا واحدا وكنت أطوف حول الكعبة ودموعي تنهمر وأمسكت بأستار الكعبة الشريفة وبكيت بكاء شديدا, وأنا أشكر ربي وأقول سبحانه المعوض المخلف أحمدك وأشكر فضلك يارب وسمعت من بجواري يقول: يارب الرضا بعد البلاء فازددت بكاء.
انني أكتب إليك ليعلم كل قارئ أن الله سبحانه وتعالى هو المعوض وحده وأن كل من أصابته مصيبة ويدعو ربه ويطلب الرضا بعد القضاء ويحتسب عند الله من فقدهم. فإن الله لاينسي عبده وإنما ينير له الطريق ويملأ قلبه بالإيمان والنور ويعوضه عما فقده ويرشده إلى الخير ويبعد عنه الظلم وينصره .. والحمد لله رب العالمين ..



ولكاتب هذه الرسالة أقول:

""""""""""""""""""""""""""

"
جوهر المسألة يتمثل في هذا الدعاء الذي سمعت أحدهم يناجي به ربه وأنت تتعلق بأستار الكعبة المشرفة: يارب .. الرضا بعد الابتلاء.
إنه دعاء حكيم يحدد الطريق ويرشد المكروب إلي طريق الخلاص, ومن رحمة ربه فقد أعانه علي الرضا بعد الابتلاء .. وأعان هو نفسه بذلك على تقبل حقائق الحياة القاسية وتحجيم خسائره وإعادة بناء حياته بعد الإعصار .. ومن سخط فله السخط وقضاء الله جار عليه ..ومن رضي فله الرضا وقدر الله نافذ فيه .. وفي الحديث الشريف أنه: ما تجرع عبد في الدنيا جرعة أحب إلي الله من جرعة غيظ ردها بحلم, أو جرعة مصيبة ردها بصبر ولقد تأملت طويلا هذه الصيغة الفريدة جرعة مصيبة ردها بصبر .. فخيل إلي أنها تصور الصبر وكأنه حاجز شبيه بحاجز الأمواج الهائجة الذي يردها عن إغراق الشاطئ وإتلاف مبانيه, فكأنما يرد الصبر عن النفس أمواج المرارة واليأس والقنوط والسخط, تتهيأ لاستقبال التعويض الإلهي لها عن الخسائر والأحزان .. فخيرا فعلت ياسيدي أن أعدت بناء ماتهدم من بنيان حياتك العائلية .. وصادقت أحزانك, وتقبلت أقدارك, كان حقا علي السماء أن تعينك علي أمرك وتهبك الزوجة الصالحة والولد عوضا لك عما اختبرتك به الأيام .. فتتجدد المياه في نهر الحياة وتواصل جريانها الدائم إلى غايتها الأبدية مهما اعترضها من جنادل وضخور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق