الجمعة، 26 نوفمبر 2010

وداع مدحت صالح عاصى و أمير

شُـكـْـرا جَــزيلا ً للشاعر محمد اسماعيل سلامة

شُـكـْـرا جَــزيلا ً

 
شكــرا جـزيـلا ً ..  لا أريـد 
  ماعُـدتُّ    أحتمـل   المـزيـد
كَـفَـرت عـيـوني   بالجمـا ل ِ ، وخـاصمَ القـلـب ُ الوريـد
والشعـر  قد  كـفـَّـنـْتـُـهُ صـدري ،  ولملمت  القـصـيـد
مـا عـدت  أحـلم  بالـهـوى   حلـم   السـذاجـةِ   والـورود
شكـرا جزيـلا ً .. ماعرفـــ ـت  الحبَّ  في خِصْـر ٍ وجـيـد
شكـرا جزيــلا ً .. لا أريـد   ماعـدت   أحتـمـل   المزيــد

دوبيني بكلمتين للشاعر محمد اسماعيل سلامة


دوبيني  .. بكلمتين
فرّحي قلبي الحزين
قرّبيني منك أكتر
بيكي هقدر ع السنين

 

خاللى قلبك ويا قلبي
تحلى أيامي وسنيني
اشبكي الأيام بحبي
مدي إيدك .. هتلاقيني

بعشقك .. من غير حدود
واسمعك .. من غير صدود
وارتحل  ..    لكن   أعود
ليكي    يغلبني   الحنين


بس قولي الكلمتين
فرّحي قلبي الحزين
قرّبيني منك أكتر
بيكي .. هقدر ع السنين
 
****

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

تعبت من السكات للشاعر محمد اسماعيل سلامة

تعبت من السكات
وتعبت من الكلام
ومن عمري اللي فات
وم اللي جاي ادام

مين زيي في قلبه حنين
مكتوم وسط الأنين
حنين من غير سبب
والله ما اعرف لمين
!!

فتشت في الذكريات
ملقتش غير الجراح
وناس بتقول ده مات
وقلبي لسه براح
!!

تعبت من السنين
ودموعي السهرانين
وبسمه من غير معاني
تجلد قلبي الحزين
!!

تعبت من السكات
وتعبت من الكلام
ونفسي أرجع اوام
والله ما اعرف لمين
!!

وأسأل شمسي وطريقي
أنا قلبي عايش حقيقي ؟
واللا الدنيا حقيقي
مبتديش مجروحين ؟

متكسرنيش وتمشي للشاعر محمد اسماعيل سلامة

حزين على قلبي..اللي انجرح بإيديك

وبجد كان نفسي أعيش بضي عنيك

متكسرنيش وتمشي وانا ياما خوفت عليك

لو يرضيك أنا همشي ومش راجع إليك

وروح الله يسامحك أنا مش هجرّح فيك

أنا بس خايف تبعني لغيري ويغدر بيك

هبعد خلاص يا حبيبي وادعي ربنا يهديك ...

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

ماجـور ياللـي مـن فراقـك تعلمّـت


ماجـور ياللـي مـن فراقـك تعلمّـت
ان الزمـن يومـيـن طيّب..وخـيّـب
فاجئتنـي بمفـارقـك مــا تولـمّـت
كـذا بـدون اسبـاب عنـي تغـيّـب؟؟
مامـت مـن فرقـاك لكـن تألـمـت
وراسي مشيّب لو مـا راسـي مشيّـب
ولولا السحا من عاذلـي مـا تلعثمـت
طاولته اللـي فـي يـدي مـن قريّـب
اضحك واسولف وان لحقني سهر نمت
لـكـن قـسـم بالله مـانـي بطـيّـب
اكافح اهل الشمت بالسمت ..والصمـت
ومن شوفتـك صدفـه قعـدت اتهيّـب
اخاف اشوفك واكسر الصمت ..والسمت
وادعيـك تـو النـاس وانـا مغـيّـب
جيشك علي ما فـاز وانـا استسلمّـت
وذل المحبـه ذل مـا هــو يعـيّـب
تدري من المخطـي ولـو مـا تكلمـت
ياللـي لضنـي ضنتـي مـا تخـيّـب

السبت، 6 نوفمبر 2010

مشاعر اخرى من بريد الجمعة

أتابع بريد الأهرام منذ كنت طفلة لأكثر من‏18‏ عاما‏,‏ وأنا الآن عمري‏32‏ عاما وقد قمت بإرسال بعض الرسائل قديما ولم تنشر‏,‏ والمهم انني الآن متزوجة منذ‏8‏ سنوات وأحيا حياة جميلة‏,‏ والحمد لله وقد تأثرت برسالة وردة واحدة عندما قرأتها‏,‏ وذلك لأنها مشكلة من النوع الهاديء التي قد لا تثير تعاطف الكثيرين إلا أنها مشكلة موجودة‏,‏ وبحكم اني امرأة فنحن النساء نتبادل الأحاديث بهذه الشئون‏,‏ وأنا شخصيا مررت بهذه المشاعر كثيرا خلال زواجي‏,‏ وكانت أكثر في السنوات الأولي خاصة اني تزوجت بصورة تقليدية بعدما فشلت خطبتي التي جاءت بعد قصة حب‏

مما جعلني افتقد مع زوجي بعض المظاهر الشكلية والتي أعرفها عن الحب واللهفة والشوق وغيرها مما تربينا وكبرنا ونحن ننتظرها‏,‏ فكل الأغاني والأفلام والقصص ما هي إلا تهيئة لنا لأن نحب ونحب فعشنا‏(‏ الأغلبية من البنات‏)‏ نضع الهدف الأول لنا وهو أن نجد من نعايشه هذه المشاعر والمظاهر‏,‏ وطبعا مع أولي دقات القلب كنا نستسلم ونعتبره ها قد جاء‏,‏ ويبدأ الطرفان في ممارسة الطقوس المحفوظة في الذاكرة وكذلك الابداع في أشكال الوجد والهيام‏,‏ ولكن سرعان ما يكتشف أي من الطرفين أو كلاهما أن هذه مجرد ممارسات لمشاعر خاوية تقلبت أو تكشفت فينهي العلاقة

أو حتي إذا صادفه الحظ فكانت مشاعره حقيقية‏,‏ وتوجت بعلاقة شرعية من خطبة أو زواج‏,‏ فإن هذا الفوران لابد أن يزول وتهدأ المياه وتأخذ شكلا جديدا يتناسب مع الدوام‏,‏ فالفوران لا يمكن له الدوام وإلا ظل الإنسان يلهث تعبا وراء رشفة استقرار‏..‏ ومع كل الادراك لهذه الحقائق نظل نفتقد هذا الشعور‏(‏ الحب العيالي‏),‏ وتذكرنا به أغنية أو مشهد في فيلم أو تجربة يمر بها أي ممن حولنا‏,‏ فنحن للمسة يد أو كلمة مديح أو تصرف مجنون يخرج من وسط الرزانة وهذا لا يعني أبدا أن نستسلم لأي اغراء خارجي أو حتي الانغلاق حول ذكريات ماضية‏

وانما يكون بمحاولة متوازنة بين قدر من الإشباع لهذه الرغبات قدر المتاح من الظروف عامة وطباع من يشاركوننا‏,‏ وبين محاولة مخاطبة عقولنا ونفوسنا لنتفهم طبيعة تلك المرحلة وتقبل انقضاء بعض الأشياء‏

والاستمتاع بحلول أشياء جديدة وما حدث معي فعلا كان مزيجا من هذا‏,‏ وأنا اختلف مع كاتبة الرسالة في رفضها التحدث مع زوجها لان مبررها في أن ما سيفعله هو بعد الحديث‏(‏ إن نجح‏)‏ لن يكون له مذاق لا يدوم‏,‏ فهي إن نجحت في توصيل رغبتها له دون الإساءة وباسلوب يتقبله كأن لا تبدأ في صورة شكوي وضجر‏,‏ ولكن حوار أصدقاء وعدم التعصب وتقبل استنكاره المبدئي‏,‏ وحث مشاعره لا لومه‏,‏ إن نجحت في هذا فسوف تستمتع جدا بتصرفاته علي مدي طويل‏,‏ وليس مجرد ما بعد الحوار‏,‏ وسوف يخفق أحيانا وستذكره بنفس الأسلوب الهاديء

فاجعليه يتعاطف معك لا مدافعا عن نفسه ولا تلوميه علي أشياء تجول بخاطرك فهو معذور بأعباء الحياة ولا مانع من أن نذكر بعضنا فلا نقسو ونغالي في أن يقوم الآخر بكل واجباته دون تنبيه ومن نفسه‏,‏ حتي لا نحاسب نحن بنفس المنطق‏,‏ وعلي الجانب الآخر أنصحك بالاستمتاع بمشاعر أخري لم نعشها في مرحلة الوجد والهيام كالمشاركة في مداعبة الأبناء‏.‏ أو أن تجديه متقبلا لك وأنت متعبة أو مهملة لنفسك لغرض حمل أو غيره‏,‏ أن يقف بجانبك ولو‏(‏ بطبطبة‏)‏ في موقف قاس لا تخلو الحياة منه‏,‏ وأن تستمتعي بمشاعر الحب من أبنائك كلما كبروا‏..‏

وهكذا الدنيا لا نستسلم لها ولكن نسلم بمقدراتها وناموسها وهذا لا يعني الرضا بالأمر الواقع‏,‏ ولكن يعني تغييره بوعي وموضوعية وواقعية وتقبل للنتائج المتاحة‏

دائرة اللهب من بريد الجمعة

لم أكن أتخيل يوما أن أكتب إليك‏,‏ لكن عندما تقرأ قصتي ستعرف أنني في حيرة من أمري‏,‏ وفي أشد الحاجة لمن يأخذ بيدي إلي الاتجاه الصحيح‏,‏ قبل أن أتفوه بكلمة واحدة أقسم بأن كل ما سوف أحكيه صدق وليس من وحي الخيال‏,‏ ولعلك تستعجب من هذا القسم المبكر‏,‏ لكن مع قراءة سطور هذه الرسالة سوف تعلم أنه كان لابد من هذا القسم حتي تستطيع أن تكمل الرسالة ولا تظن أنها من قبيل الخيال العلمي أو من خيال المؤلف‏,‏ وإن لم تصدقها فلك كل الحق‏,‏ فأنا أيضا لا أصدق وأشعر بأنني في كابوس‏.‏

بداية أنا شاب في أواخر العشرينيات من عمري‏,‏ أعمل في وظيفة مرموقة وأحسب نفسي من الذين تمت تربيتهم دينيا وخلقيا بطريقة جيدة‏.‏

في مقتبل عمري كانت لي بعض العلاقات العاطفية العابرة‏,‏ مثل أي شاب في فترة المراهقة‏,‏ لكنها مرت كلها بسلام والحمد لله‏,‏ ونسيت كل شيء والتفت إلي حياتي وعملي وانشغلت كليا عن فكرة الارتباط والزواج حتي كان هذا اليوم‏,‏ وهذه كانت بداية حكايتي‏.‏

في يوم عطلة شعرت بالملل ففتحت موقعا للدردشة علي النت لعلي أصادف من أتحدث معه أو معها‏,‏ دخلت وتحدثت مع بعض الأشخاص حتي صادفت فتاة أعجبتني صفاتها وعمرها مناسب‏,‏ في البداية تعاملت معها علي أنها معرفة سطحية لن تستمر أكثر من دقائق‏,‏ لكن الأمر تجاوز هذا الحد وتحول إلي انجذاب لا مثيل له‏,‏ وبدأت تطول أوقات حديثنا من خلال النت حتي تحول إلي إدمان‏,‏ وأصبحنا نقضي الليالي نتحدث‏.‏ أعجبني فيها‏,‏ حسب كلامها‏,‏ خلقها وعلمها وتمسكها بدينها‏,‏ وبدأت أفكر لأول مرة في الزواج‏,‏ وصارحتها مباشرة بالأمر‏,‏ وطلبت منها اللقاء كي نتفق فوعدتني باللقاء‏.‏

لكن قبل موعد اللقاء بقليل كانت تختفي ثم تظهر بعد فترة من جديد‏,‏ وعند السؤال تتعلل بأسباب قوية تمنعها فعلا من الاتصال بي كعملية جراحية مثلا‏,‏ ويتكرر الأمر كثيرا وتتوالي الحجج‏,‏ لكننا كنا نتحدث هاتفيا‏,‏ وفي كل مرة نتفق علي لقاء تخرج بحجة مقنعة جدا‏,‏ ويتوالي غيابها المفاجئ مما يؤجج نار الشوق بداخلي‏,‏ وفي كل مرة تلجمني بحججها‏,‏ مرة وفاة جدتها‏,‏ ثم وفاة والدها‏,‏ وكانت أمها قد توفيت منذ فترة‏,‏ ثم موت أختيها مع ابن خالتها في حادث‏,‏ ثم تعرضها هي لحادث سير‏,‏ وهكذا سلسلة من الحجج التي لا تنتهي استمرت ستة أشهر منذ بداية تعرفنا علي النت‏,‏ لكننا كنا نتحدث في الفترات التي لم تكن تختفي فيها كل يوم قرابة الإثنتي عشر ساعة‏,‏ ولا نمل من الكلام أبدا‏.‏

كانت تحكي لي الكثير عن نفسها ووالدها ووالدتها المتوفيين‏,‏ وعن أختيها اللتين توفيتا بالحادث‏,‏ وعن كل أقاربها‏,‏ لكن كنت تكثر من الحديث عن خطيبها السابق الذي أضر بها كثيرا‏,‏ وكانت تبكي كلما تذكرت ما فعله بها‏.‏

في هذه الفترة كنت أشعر أني أحبها بدرجة لم أكن أتخيل أنني سأصل إليها أبدا‏,‏ ولا أدري ماذا حدث لي‏,‏ أقسم لك أنني أحببتها ولم أتمن علي الله أمنية كما تمنيت أن يجمعني بهذه الفتاة‏.‏

كما كانت تقول لي من كلام الحب أشكالا وألوانا تئن لها قلوب العاشقين‏,‏ وهكذا مرت الأشهر دون أن نلتقي‏,‏ واختفت فجأة كالعادة‏,‏ لكن هذه المرة ليست ككل مرة‏,‏ ففي أوج مشاعرنا رجعت من عملي ليلا لأجد رسالة تقول فيها إنها لن تستطيع أن تكمل معي‏,‏ وإن أحد الذين كانت تعرفهم في الماضي تقدم لخطبتها وهي وافقت‏(‏ جوازة والسلام ـ علي حد قولها‏),‏ ولك أن تتخيل ما حدث لي‏,‏ وفعلت المستحيل حتي تحدثت إليها فاعتذرت لي بأنها في مشكلات وأنها اضطرت لذلك وأنها تحبني جدا و‏..‏ و‏..‏ وهي الآن لي وحدي‏

لكنها اختفت من جديد لمدة ثلاثة أسابيع وكدت أجن وخفت كثيرا من أن يكون حدث لها مكروه‏,‏ وبعد محاولات كثيرة مستميتة توصلت إليها وكانت حجتها أنها أجرت عملية جراحية كبيرة جدا‏,‏ وأنها لم تخرج من المستشفي سوي من يومين فقط‏,‏ وكانت تنوي أن تتصل بي في أقرب فرصة بعد أن تقل الزيارات من بيتها‏,‏ وطبعا صدقت ككل مرة واستأنفنا علاقتنا وحجج عدم اللقاء لا تنتهي أبدا‏,‏ وأنا أنتظر هذا اللقاء علي أحر من الجمر كي أراها ولو مرة لنتفق قبل أن ألتقي بأسرتها‏,‏ أخيرا كان اللقاء بعد أن عرفتها لشهور طويلة‏,‏ كان لقاء‏!!‏ لا أستطيع أن أصفه‏,‏ أغرب ما فيه هو استعجالها العودة إلي البيت الذي من المفترض أنه خال‏,‏ فما الداعي للعجلة؟‏!‏ كما استوقفتني ملابسها التي تخيلت أنها أفضل من ذلك‏(‏ نعم كانت ترتدي حجابا ولكن‏!!!),‏ وتوالت اللقاءات والأحاديث‏,‏ وتطورت العلاقة وأنا ألح عليها في مقابلة أسرتها‏.‏

وخلال أحاديثنا ومقابلاتنا كانت تحدثني عن كم هائل من الأحداث المتشابكة‏,‏ وأشخاص يقومون بدور في حياتها‏,‏ وفجأة ظهر طفل عمره نحو‏5‏ أشهر‏,‏ نسبته لبنت خالتها التي أنجبته ولأنها مريضة أوكلت إليها مسئوليته بشكل مؤقت لأنها الوحيدة في العائلة التي لم تتزوج بعد‏,‏ ولا يوجد ما يشغلها‏.‏

وكثيرا ما حدثتني عن خلافات والدي الطفل‏,‏ والكثير من الأحداث التي لا تنتهي‏.‏

وأصبح هذا الطفل وبالا علينا‏,‏ وتنغيصا لحياتنا‏,‏ فأصبحت مكالماتنا قليلة‏,‏ ولقاءاتنا أقل‏,‏ خصوصا أنها كانت تتحجج بوجود أخيها‏,‏ وكنا لا نلتقي إلا بعد سفره حيث إنه يعمل خارج البلاد‏,‏ وكنت كلما فاتحتها في موضوع الزواج تتحجج بآلاف الحجج‏,‏ منها أنه لم يمر الوقت الكافي علي وفاة والدها وأختيها‏,‏ أو أن أخاها يعاني مشكلات ولن تستطيع الكلام معه في الوقت الحالي‏,‏ وادعت أن أخا زوجة أخيها يرغب في الزواج منها إلي آخر الحجج والحكايات التي لا تنتهي‏,‏ وأنا صابر علي أمل أن ينتهي كل هذا‏,‏ وبدأت المشكلات وتوالت وكثرت‏,‏ وكلها كانت بسبب أشياء تفعلها معي‏,‏ وعند المناقشة لا تسمع غير نفسها وعقلها فقط‏.‏

ويعلم الله أنني ما تمنيت أحدا غيرها‏,‏ لكنها كانت تتعمد المشكلات معي‏,‏ وإذا تناقشت معها تحتد علي وتهددني بالابتعاد‏,‏ كنت أشعر في كثير من الأحيان أن هناك سرا ما‏,‏ لكنني فضلت السكوت والشك يملأني خشية أن أفقدها‏.‏

وبدأت أتعامل معها علي أنها مريضة نفسية بسبب ما حدث لها من خطيبها السابق‏,‏ وأنه بمرور الوقت وبعد الزواج ستنسي‏.‏

نعم كانت مشكلاتنا طفيفة وسطحية‏,‏ لكنها كانت كثيرة‏,‏ لكننا كنا نتغلب عليها‏,‏ ومرت الحياة هكذا وتعمقت طبيعة العلاقة وتأصلت كثيرا‏,‏ ومر عام كامل علي بداية علاقتنا‏,‏ ثم يريد الله أن تكون هذه هي اللحظات الحاسمة‏,‏ وبدون الخوض في تفاصيل مؤلمة اكتشفت حقائق مثيرة‏.‏

لكن عندما اتصلت بها أنكرت وزيفت كل الحقائق‏,‏ الحقائق التي أقسمت عليها في أول حديثي ولن يصدقها عقل أبدا‏.‏

هذه الفتاة هي أم ذلك الطفل‏,‏ والشخص الذي تدعي أنه أخوها هو زوجها‏,‏ ولا وجود لشخصيتها الخيالية‏,‏ ولا حقيقة في كلمة واحدة مما قالته‏,‏ فلم يمت والدها ولا والدتها‏,‏ وليس لها أختان أصلا كي تموتا في حادث‏,‏ فليس لديها سوي أخ‏,‏ ولم يحدث لها أي حوادث‏,‏ ولم تقم بأي عمليات جراحية‏,‏ والفترة التي غابت فيها طويلا‏(‏ نحو ثلاثة أسابيع‏)‏ كانت الفترة التي انجبت فيها طفلها‏,‏ والفترات التي كانت تختفي فيها هي فترات وجود زوجها في البيت‏.‏

وكل ما حدثتني به عن أقاربها وعن نفسها وعن عائلتها وكل شيء‏,‏ كل شيء كان كذبا خالصا‏.‏

في بداية الأمر فكرت أنها ربما شعرت تجاهي بأحاسيس قوية‏,‏ وهذا وارد أن يحدث حتي من امرأة متزوجة‏,‏ وإن كان خطأ‏,‏ لكنني اكتشفت أنها كانت علي علاقة بالكثيرين غيري‏,‏ وكانت تفعل معهم مثلما تفعل معي الضبط‏,‏ كل هذا وزوجها مخدوع وبعض أقربائها يعرفون‏..‏ كل هذا ولم يؤنبها ضميرها في يوم‏,‏ ومازالت تتحجج وتتعلل وتكذب دون أن تطرف لها عين‏.‏

لن أقول لك ما بداخلي‏,‏ ولن أحكي لك عما أشعر به‏,‏ لأني لو ملأت صفحات العالم ما انتهيت من كتابة أول حرف من أوجاعي‏.‏

لكن الغريب في الأمر كله أنني مازلت أحبها ولم أستطع أن أكرهها‏.‏

لا أنام الليل إلا بأدوية منومة‏,‏ ولا أمارس عملي إلا بأدوية مضادة للاكتئاب دمرت حياتي كلها‏,‏ وأكثر ما يؤلمني هي التفاصيل التي لا أستطيع البوح بها‏!‏ لكنني أبدا لن أفضحها‏,‏ فمازلت متيما بها‏!‏




رد الكاتب :

*‏ سيدي‏...‏ كان يمكنني عدم الاهتمام برسالتك‏,‏ وعدم إفساح كل هذه المساحة لها‏,‏ مكتفيا برد خاص‏,‏ لأن حكايتك تشبه حكايات المراهقين الذين يطاردون سرابا ليشبعوا أحلامهم وتخيلاتهم الساذجة عن الحب‏,‏ فتجرفهم المشاعر الصغيرة غير الناضجة‏,‏ معتقدين أن الحياة لن تستمر‏,‏ إلا مع هذا الحبيب‏,‏ ويصفون حبهم بأنه غير مسبوق ولم يحدث مثله أبدا‏.‏

مشاعر المراهقين وتصوراتهم القاصرة عن الحب‏,‏ مفهومة ومقبولة‏,‏ ولكن المستغرب أن يعيش هذه المشاعر رجل في نهاية العشرينيات ويعمل في وظيفة مرموقة‏,‏ ويتحدث عن خلقه وتربيته الرفيعة‏.‏

هذا المفهوم المغلوط والمشوش عن التربية الدينية والأخلاق الحميدة‏,‏ بأن يبيح شاب مثلك لنفسه ان يدخل الي الشات يبحث عن رجل أو امرأة وهو يعرف أن الأسماء وهمية‏,‏ والحكايات أغلبها كاذب وليس لها هدف إلا العبث والتسلية‏,‏ ثم يشعر من أول تواصل أنه منجذب ومحب‏,‏ وخلال أيام تصبح المكالمات بالساعات كل ليلة‏,‏ ويعجبه بعد ذلك خلقها وتمسكها بدينها‏...‏

فماذا كنت تتصور أو تقبل بأن تفعله فتاة ليست علي خلق أو غير متمسكة بدينها؟‏..‏ أي فتاة تلك التي تتعرف علي شاب لاتعرفه‏,‏ ولا تعرف عائلته أو خلقه‏,‏ ولا إذا كان صادقا أو كاذبا فيما يقول‏,‏ ثم تري انها علي خلق ودين؟‏!‏

إن هذه المفاهيم الجديدة عن التدين والأخلاق‏,‏ والتي يتبناها من هم مثلك ومثل تلك المرأة‏,‏ هي التي تهز القيمة الحقيقية للأخلاق والتدين عند الفتيات الملتزمات‏,‏ فيشعرن بأنهن علي خطأ‏,‏ بعد أن أصبح الخطأ هو القاعدة‏,‏ والصواب هو الاستثناء المشكوك فيه‏.‏

قصتك ـ ياسيدي ـ ليست خيالا علميا‏,‏ ولكنها خيال عيالي‏,‏ لا يتناسب مع وظيفتك ولا عمرك‏..‏ خيال دفعك للدخول في قصة وهمية كانت نهايتها سيئة ومحبطة‏,‏ ولا يمكن توقع نجاح مثل هذه العلاقات القائمة علي الكذب والخداع‏..‏ الحب يحتاج إلي بيئة طبيعية محترمة‏,‏ يتعارف فيه الطرفان وجها لوجه‏,‏ يتآلفان‏,‏ يتفاهمان‏,‏ تتوافر لهما ولأسرتيهما فرص التعارف والتكافؤ‏,‏ بعدها يمكن للحب أن ينمو بصورة صحية قادرة علي الاستمرار‏.‏

سيدي‏..‏ لا أريد أن أخوض في تفاصيل رسالتك‏,‏ لأنها لا تهم أحدا‏,‏ لقد أخطأت وعليك تحمل النتيجة والتعلم مما وقعت فيه‏,‏ وعليك ان تحذر‏,‏ فقد حمت هذه المرة حول دائرة اللهب مستمتعا بدفئه وانت بدون ان تدري تنتهك عرض رجل آخر‏,‏ فإذا لم تكن احترقت هذه المرة‏,‏ فإن النار في انتظار المغامرين والمندفعين والغافلين مثلك ومثل تلك الزوجة التي سمحت لنفسها بهذا العبث‏

وهي تحمل في أحشائها جنينا‏,‏ غاب عنه أبوه مضطرا ليوفر له ولأمه حياة كريمة‏,‏ وبدلا من أن تحفظه وتقدر له معاناته‏,‏ استغلت ثقته فيها‏,‏ وخانته بما وفره لها‏,‏ عبر جهاز الكمبيوتر لتلهو وتكذب وتخدع بدون ان يهتز لها جفن‏,‏ فإذا كان الله حليما ستارا هذه المرة‏,‏ فلا تدري كيف سيكون احتراقها في دائرة اللهب في المرة القادمة‏.‏

ادعو لك الله باستعادة نفسك والاعتراف بخطئك‏,‏ ولها بأن يلهمها الصواب‏,‏ وتكفر عن أخطائها بالتقرب أكثر إلي زوجها والاخلاص في محبته ورعاية إبنها‏,‏ والابتعاد عن هذا الجهاز الملعون‏,‏ فهو لم يخترع لهذا أبدا‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏


****************************

عرفت الله من بريد الجمعة

كان من الطبيعي أن تصلك رسالتي هذه منذ ما يقرب من خمسة شهور‏,‏ وبالتحديد منذ نشر رسالة ستر الله والتي حكي فيها رجل أنه كان قناص نساء‏,‏ وانه التقي بفريسته في إحدي المناسبات‏,‏ وتبادلا الهواتف وبعد معاناة ووقت طويل أقنعها بالذهاب اليه في شقته‏,‏ وبينما هي في الطريق اليه بسيارتها وقع لها حادث وأصيبت إصابات جسيمة ونقلت إلي المستشفي‏,‏ وعندما ذهب اليها‏,‏ اكتشف من الأطباء بعد أخذ عينة دم انها مصابة بالإيدز‏,‏ وأحس أنها رسالة من الله‏,‏ فتاب اليه وأعرض عما كان يفعل‏,‏ وحاول التكفير عن خطاياه في حقوق الآخرين‏.‏

وجاء ردك عليه مطمئنا لكل من تاب إلي الله‏,‏ ومحذرا لكل من غرته الدنيا فأوغل في المعصية متجاهلا أو غافلا ان عين الله لاتنام‏,‏ ولأنه كاتب الرسالة فقد اهتممت به‏,‏ وتجاهلت أو أغفلت تلك السيدة الأخري‏,‏ الضحية‏,‏ أو الجاني‏,‏ فلم تقل لها أو عنها شيئا‏,‏ وجاءت بعد ذلك تعليقات السادة القراء‏,‏ لتؤكد أن الجميع قد نام واستراح‏,‏ لأنها لاقت جزاءها ودفعت ثمن انجرافها نحو الخطيئة‏,‏ وكأنه من المستبعد ان تكون هي الأخري ضحية له ولغيره من الرجال‏,‏ وانها قد تكون تابت الي الله راجية أن يتوب عليها ويغفر لها‏.‏

سيدي‏...‏ تتساءل‏:‏ لماذا أكتب إليك هذا‏,‏ ولماذا كان يجب أن تصلك رسالتي منذ شهور بعيدة‏,‏ ولماذا تأخرت في الكتابة إليك؟

من المحتمل ياسيدي أن أكون أنا تلك المرأة الملعونة التي انتقم منها الله بحادث سيارة مفزع‏,‏ وقبل ان تفيق من مصيبتها اكتشفت انها مصابة بالإيدز‏...‏ فالقصة التي حكاها هذا الرجل تتشابه كثيرا مع ما حدث لي‏,‏ مع بعض الاختلافات والتي قد تكون مقصودة منه أو منك لإخفاء ملامح الشخصية‏,‏ خاصة أنك أخفيت وظيفته وما قد يشير إلي محل إقامته‏.‏

ليس مهما اذا كنت أنا هي تلك المرأة أم لا‏..‏ ولكني وجه آخر للحقيقة‏..‏ وجه آخر للمأساة‏,‏ للحلم والضياع‏,‏ للانحراف والتوبة‏.‏

دعني أبدأ لك من البداية‏,‏ لعلك وقراءك تجدون في قصتي ما يستحق التأمل والتماس الأعذار للآخرين حتي لو كانوا من الخطائين‏.‏

نشأت مثل كثير من الفتيات في أسرة طيبة‏,‏ فتاة واحدة مع ولدين‏..‏ والداي كانا يعملان في مجال التدريس‏..‏ عشنا معا سنوات في الخليج‏,‏ كانت من أحلي سنوات العمر‏,‏ وأن كان بها ما عكر صفو حياتي وحياة أسرتي لعدة شهور‏,‏ عندما تعرضت لحادث أدخلني غرفة العمليات لأجري جراحة خطيرة وكان الله لطيفا بي‏,‏ فشفيت وأكملت أيامي حتي حصلت علي الثانوية العامة‏,‏ فعدت الي مصر وحدي لأعيش مع جدتي والتحق بالجامعة‏.‏

لك أن تتخيل فتاة صغيرة عمرها‏18‏ عاما‏,‏ عاشت سنوات عمرها في مدينة هادئة‏,‏ في أحضان أسرتها‏,‏ لاتري من الحياة إلا ما يسر ويبهج‏,‏ تجد نفسها وحيدة في مدينة صاخبة مليئة بالمتناقضات‏..‏ حياة أخري غير التي عشتها‏..‏ لا أحد يقول لي ما الصواب وما الخطأ‏..‏ نعم معي نقود ليست مع زميلاتي‏,‏ لي سيارتي الخاصة‏,‏ لا أحد يقول لي‏:‏ افعلي ولا تفعلي‏..‏ صدقني كنت أعود الي جدتي باكية‏,‏ مفزوعة مما أراه‏..‏ أشكو لأمي وأطالبها بالعودة‏,‏ فتقول لي‏:‏ انت كبيرة‏,‏ بكرة تتعودي‏,‏ احنا واثقين فيك‏,‏ وبعدين اخواتك لازم ياخدو الثانوية من هنا‏...‏ هنيجي في اجازة نصف السنة‏.‏

تقوقعت داخل نفسي‏,‏ وانعزلت عن زملائي وزميلاتي‏,‏ وتحملت طويلا غمزاتهم وسخريتهم مني‏,‏ حتي بدأت أندمج تدريجيا معهم في عامي الدراسي الثاني‏..‏ وبدأت أري ما لم أكن أراه أو أعرفه‏...‏ تعلمت السهر وشرب السجائر‏,‏ ودخل قاموسي كلمات لم أكن أعرفها أو أقبلها‏,‏ مثل صديقي‏,‏ وتظبيط وغيرهما من الكلمات التي تعكس ثقافة انفلات وفوضي وشباب لم يجد من يربيه‏.‏

تسألني‏:‏ أين جدتي؟ أجيبك أنها زهقت مني وتعبت من الكلام معي‏,‏ واستعانت بوالدي‏,‏ فكنت أصم أذني عن صراخهما في الهاتف وتهديدهما المتكرر‏,‏ سحبوا موبايلي‏,‏ ومنعتني جدتي من الخروج ليلا‏,‏ فكنت أغافلها حتي تنام ثم أسرق مفتاح الشقة وأهرب‏.‏

لم أكن سعيدة بما أفعل‏,‏ ولم أكن أراه صوابا‏,‏ ولكن شيئا ما بداخلي كان يحركني ويدفعني لتبرير ما أفعله بأنه عقاب لوالدي لأنهما اختارا الفلوس علي حساب الاهتمام بي‏.‏

سيدي‏...‏ أرجو ألا يجنح تفكيرك بي‏,‏ فعلي الرغم من كل ما فعلته‏,‏ إلا أن هناك حدودا كنت أقف عندها‏...‏ مغامرات محدودة وتصرفات وتجمعات شبابية حول الرقص وتدخين المخدرات ـ أحيانا ـ والسفر خارج حدود العاصمة في أي وقت ـ كل واحد له حكاية ومأساة‏,‏ ما بين سفر الآباء‏,‏ طلاقهم‏,‏ شجارهم‏,‏ أو انشغالهم بعملهم علي حساب الأبناء‏..‏ كل واحد منهم يعتقد أنه وفر لابنه كل شيء‏,‏ لمجرد انه يغدق عليه بالمال‏.‏

لو سألتنا جميعا لقلنا بعلو صوتنا‏,‏ نحن لسنا سعداء‏...‏ كنا في حاجة إلي حنان أهالينا وتفهمهم ورقابتهم وحتي قسوتهم ولكننا لم نجد‏.‏

تفاصيل كثيرة‏,‏ لا أريد أن أبعد بها عن القصة الرئيسية‏,‏ عن ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه اني مريضة بالإيدز وأنا في طريقي لارتكاب المعصية الكبري‏.‏

في صيف عام‏2003‏ عادت أسرتي من الخارج وكنت وقتها قد أنهيت عامي الدراسي الأخير بالجامعة‏,‏ عادوا ومعهم عريس‏,‏ ابن أحد أصدقائهم‏,‏ جاوز الثلاثين بقليل‏,‏ وجمع ثروة لا بأس بها‏,‏ وعاد الي مصر ليفتتح شركة في مجال التصدير والاستيراد‏,‏ رأي فيه والداي عريسا مناسبا يستر عارهما قبل أن يشيع بين الناس‏,‏ لم يستمعا الي رفضي‏,‏ أو رغبتي في منحنا فرصة للتعارف أو التفاهم‏..‏ فهما مرتبطان بموعد للعودة‏,‏ والعريس جاهز‏,‏ شقته معدة حسب مزاجه وذوقه‏,‏ ولا ينقصها إلا الدبيحة‏,‏ أقصد العروس التي هي أنا‏.‏

هو كان مثلهما جافا‏,‏ سعيدا بجمالي‏,‏ ولم ينظر قط الي تفكيري أو احتياجي‏..‏ وخلال أسابيع قليلة انتهي كل شيء‏,‏ أصبحت زوجته وسجينته‏.‏

عشت أسوأ أيام عمري مع رجل قاس‏,‏ لم يفكر يوما في احتياجاتي النفسية قبل الجسدية‏...‏ يسخر من كل شيء أقوله أو أفعله‏,‏ ليس علي سوي تنفيذ رغباته لإرضاء رجولته المزعومة‏..‏ حرمني من كل الأصدقاء‏,‏ حتي تليفوني كان مستباحا منه‏.‏

ذات يوم تجرأت ونحن في لحظة خاصة‏,‏ وقلت له لماذا لا تفكر في إسعادي‏,‏ فاستدرجني في الكلام‏,‏ حتي قلت له اني غير مستمتعة معه وانه يظلمني ويحرمني حقوقي‏,‏ فقال لي انت امرأة ساقطة وباردة وسأعيد تربيتك من جديد‏,‏ وانهال علي ضربا وسبا‏,‏ حتي تورم وجهي وجسدي‏..‏ وكانت هذه هي بداية انتهاء آدميتي‏..‏ فقد تفرغ زوجي لتدميري‏,‏ لسحق أي إحساس بأنوثتي‏..‏ كان اليوم الذي يمر بدون ضرب لا يحسب من عمري‏..‏ كنت أسلمه جسدا ميتا‏,‏ أذهب بروحي الي عالم آخر‏,‏ أدعو فيه ربي أن يعفو عني من هذا السجن وأعاتب والدي بل ألومهما علي ما فعلا بي‏,‏ سامحهما الله‏.‏

لن يغيب عن خيالك‏,‏ اني هربت مرات الي بيت جدتي‏,‏ والي الشارع‏,‏ بل الي قسم الشرطة‏,‏ ولكنه كان يعيدني‏,‏ لاني وحيدة بلا سند‏,‏ وأبي كان يلومني ويسمع له ولا يستمع لي‏,‏ بل يحملني كل المسئولية عن هذه العلاقة الفاشلة البائسة‏.‏

عامان من هذا العذاب حتي انفصلنا‏,‏ حصلت علي الطلاق بعد ان حررت له محضرا في قسم الشرطة بعد ان شج رأسي في إحدي غزواته‏,‏ فاستجاب لي بعد ان تنازلت له عن كل شيء‏,‏ ولم يستطع ابي ان يشارك في طلاقي لأنه كان مشغولا شويتين‏!‏

سيدي‏..‏ كان لابد أن أحكي لك هذا التاريخ لتفهم ـ فقط تفهم ولا تلتمس الأعذار ـ ما الذي جعلني أذهب يوما وراء كلام رجل التقيته في احدي المناسبات وأنا أعرف أنه قناص ومخادع‏.‏ لقد خرجت من هذه التجربة بقايا امرأة‏,‏ وبقايا إنسان‏..‏ ذهبت إلي طبيب نفسي‏,‏ نجح في تهريبي من نفسي إلي النوم بالمهدئات‏,‏ ومن اكتئاب مزمن إلي اكتئاب متقطع‏..‏ نصحني بالخروج إلي الحياة‏,‏ فخرجت‏,‏ وعدت إلي السهر وإلي تجمعات البشر‏,‏ ألملم صورة الأنثي المحطمة من أفواه الذئاب‏,‏ فأرضي قليلا‏.‏

إلي أن جاء هذا اليوم الذي التقيت فيه صاحب رسالة ستر الله أو من شابهه‏..‏ فعل مثلما فعل غيره‏,‏ اهتم بي وطاردني بالكلمات‏,‏ ولكنه كان خبيرا أكثر من غيره‏,‏ فلم يهرب من سخريتي‏,‏ ولم ييأس من نفوري‏..‏ فرض نفسه علي تفاصيل حياتي‏,‏ اهتم بأنفاسي وأوجاعي‏,‏ بدأ في ترميم روحي‏,‏ ثم بدأ يشكل إحساسي بأنوثتي مرة أخري‏..‏ أشعرني بأنه غير منجذب إلي أنوثتي‏,‏ بقدر انجذابه إلي تفكيري واحترامي‏.‏

امرأة وحيدة‏,‏ تعرضت لكل أنواع العذاب وهي في أحلي سنوات عمرها‏,‏ كل شئ فيها مهدر ومهان‏,‏ بلا ناصح أو أمين عليها‏,‏ ماذا يمكنها أن تفعل مع رجل يعدها بما لم تر؟

أنا وغضبي والشيطان معا كل ليلة‏,‏ كان من السهل عليه أن يقنعني بالذهاب إليه مبررا ذلك لي‏,‏ بأن ما فعله زوجي معي هو الحرام والاغتصاب بعينه‏,‏ فأغمضت عيني وقررت الذهاب إليه‏..‏ وأنا في طريقي إليه كان صوتا ما بداخلي يهتف بي‏:‏ عودي‏,‏ لاترتكبي هذا الإثم‏..‏ إذا كان يريدك فليتزوجك‏..‏ لم أدر بنفسي بعد ذلك إلا في المستشفي‏,‏ مصابة بكسور مضاعفة في العمود الفقري والحوض‏..‏ واكتشافي المفزع لإصابتي بفيروس الإيدز‏.‏

من أين أتاني هذا الفيروس اللعين؟ سؤال طرحته علي نفسي وأنا أصرخ أمام والدي اللذين تكرما علي وآتيا فورا من الخارج‏..‏ أقسم بالله انه لم يمسسني بشر غير زوجي‏..‏

لا أريد أن أستعيد تلك التفاصيل‏,‏ لقد مررت بتجربة لايمكن وصفها وكم كانت أليمة لروحي قبل جسدي؟

سيدي‏..‏ لم أكتب إليك لأدافع عن نفسي‏,‏ فقد نلت ما كتبه الله لي‏,‏ وأنا راضية بقدره وابتلائه وقد أعانني عليه‏..‏ ولكن هذه هي الحقيقة التي وصلنا إليها بعد سفري إلي الخارج‏,‏ فأنا حاملة لفيروس الإيدز بنقل الدم منذ إجرائي الجراحة في تلك الدولة الخليجية‏..‏ أحمله منذ سنوات ولم أشعر به‏,‏ واتخذ والداي إجراءات قانونية تجاه المستشفي ولم يحسم الأمر حتي الآن‏,‏ وإن كان هذا لايهمني‏.‏

سيدي‏..‏ قضيت عاما كاملا خارج مصر‏,‏ وهو عام يعادل كل أعوام عمري‏..‏ لقد عرفت الله أخيرا‏,‏ عرفت جمالا وتذوقت لذة لايعرفها إلا من ذاقها‏..‏ تعلمت كيف أناجيه وأطلب وصله بعد أن طلبت عفوه ومغفرته‏..‏ سامحت كل من آذاني‏..‏ عرف أبي وأمي كم كان خطؤهما فادحا‏,‏ فليس هناك أبقي من حماية الأبناء ورعايتهم‏,‏ وقد يكون ماحدث لي منجاة لشقيقي‏..‏ لا يؤلمني الآن إلا بكاء والدي الذي لاينقطع‏.‏

عدت منذ عامين‏,‏ وأكرمني الله بالحج بتأشيرة من البلد الأوروبي‏,‏ وأنا الآن سالمة لا أعاني إلا من آثار بسيطة في الحركة‏..‏ أواصل دراستي في الشريعة الإسلامية‏..‏ لايفزعني الموت‏,‏ بل أنتظره كل يوم أملا في رؤية من أحب‏.‏

سيدي‏..‏ نادمة أنا علي سنوات عمري التي قضيتها في ظلام‏,‏ ولكني سعيدة اني استعدت بصيرتي في شدة البلاء‏.‏ فاغفرلي إطالتي‏,‏ وربما أردت شيئا بالكتابة إليك‏,‏ فانتهيت إلي شئ آخر‏..‏ بدأت راغبة في رفع ظلم ألم بي‏,‏ وانتهيت إلي حالة من الرضا أدعو الله أن يديمها علي‏.‏ فادعو لي‏..‏ وليغفر لنا الله جميعا‏.‏


رد الكاتب :

**‏ سيدتي‏..‏ فكرت طويلا ألا أعلق علي رسالتك‏..‏ ففيها مايكفي‏,‏ في ألمها نورها‏,‏ في عتابها محبة‏,‏ وفي حواري جملها تجسيد لوجع يسكن واقعنا نراه كل يوم ونغمض عيوننا‏,‏ وكأن الخنجر ليس في قلوبنا‏,‏ والدم النازف ليس دمنا‏.‏

لايهم كثيرا‏,‏ إذا كنت تلك المرأة الغائبة في قصة ستر الله‏,‏ فستر الله ممتد إلي كل القصص والحكايات‏,‏ المنشور منها والمختبئ في النفوس‏.‏

ستر الله أوسع من خطايانا واعترافاتنا‏,‏ لذا فليس مهما إذا كنت هي أم امرأة أخري سترها الله وأنار بصيرتها وطهرها بوجعها‏.‏

أي ألم هذا الذي عايشته وواجهته ــ ياصغيرة ــ وهل يكون درسا للذين ينهزمون في أول مواجهة‏,‏ أو ييأسون من رحمة الله مع أول ابتلاء‏!‏

صغيرة كنت في مواجهة الحياة‏,‏ في مواجهة قسوة القاهرة التي كثيرا ما تفقد قلبها وتقسو علي الفقراء والغرباء والصبايا والحالمين‏.‏ تلك القسوة التي واجهتك بعودك الأخضر وتجربتك المحدودة‏..‏ لا أعرف كيف يأمن أب أو تنام أم بعيدة عن ابنتها الصغيرة أو ابنها الشاب في مثل هذا الزمان الصعب‏,‏ هذا الزمان الذي تكاثرت فيه الذئاب علي الحملان؟

تأمين مستقبلهم شعار يرفعه الآباء مبررين غيابهم بعيدا‏,‏ وكأن السعادة في المال‏,‏ لايعرفون أن الاستثمار الحقيقي في الأبناء‏,‏ بغرس الأخلاق‏,‏ بحضن دافئ‏,‏ بهذا الأمان الذي يحتاجه الابن في سني عمره الصعبة ولايستطيع شراء بعض منه بأموال الدنيا‏.‏

أي منطق هذا الذي يدفع بأبوين إلي تزويج ابنتهما بمن لاترغب ولاتعرف‏,‏ حتي يهنأ بالهما‏,‏ ملقيان بالعبء والمسئولية علي رجل لم تختبر رجولته ولا إنسانيته؟

أهكذا يفعل المؤتمن؟ نعم نحن مؤتمنون علي أبنائنا‏,‏ وسنساءل أمام الله علي تلك الأمانة وماذا فعلنا بها ولها؟‏.‏

سيدتي‏..‏ لا أريد أن أخوض ــ مثلك ــ في الحادث الكاشف‏,‏ ولا في الذئب التائب‏,‏ ولا في انتقام الله الواضح وحكمته‏,‏ فمع شدة الإيلام تبدو الرحمة والمغفرة‏,‏ فمن يلحق بالتوبة قبل فوات الأوان؟

أعرف جيدا ما حدث لك في تلك الدولة الخليجية‏,‏ فما أصابك‏,‏ أصاب زميلا لي وزوجته منذ سنوات بعيدة ــ رحمهما الله وغفر لهما ولنا ــ وأصيبا بالفيروس ولم يكونا حاملين له فقط مثلك‏,‏ ومن المؤكد انك تعرفين الآن أن هناك بعض العلاجات الناجحة لمثل حالتك‏,‏ وانك قد تعيشين طويلا ــ أمد الله في عمرك وبارك لك فيه ــ فواصلي سيرك نحو العلم والحقيقة‏,‏ نفعك الله به ونفعنا‏,‏ ولا أملك أمامك إلا طلب الدعاء منك لي ولأصدقاء بريد الجمعة وإلي لقاء بإذن الله‏.‏


***************************************

رائحة الحياة من بريد الجمعة

هذه هي ثاني مرة أكتب إلي بريد الجمعة‏,‏ وقد حالفني الحظ في المرة السابقة بأن نشرت رسالتي بعنوان رائحة الموت وذلك في شهر مايو عام‏2006..‏ باختصار شديد كنت مدمنا للمخدرات واحتوت رسالتي في ذلك الوقت علي تفاصيل دقيقة عن تعاطي المخدرات وأماكن بيعها ومشكلتي معها‏,‏ وكنت أريد أن يساعدني أحد حتي ولو بالكلام فقط‏,‏ وهذا ماحدث معي عندما قدمت لي النصيحة وعرضت المساعدة في علاجي‏,‏ وتجاوب معي بعض القراء في الأسبوع التالي وعرضوا المساعدة في العلاج أيضا‏..‏ وبالفعل حدثت معي المعجزة وأقلعت عن المخدرات تماما بجميع أنواعها‏,‏ لقد شفاني الله سبحانه وتعالي وبدأت حياتي تأخذ شكلا جديدا مليئا بالأمل والاحترام والتدين والقرب من الله‏.‏

تعرفت علي فتاة بعدما تجاوزت فترة العلاج وتخلصت تماما من أعراض الانسحاب والآلام التي تعقب ترك المخدرات‏,‏ لم أكذب عليها تماما ولكنني حاولت أن أتجمل فاعترفت لها بأنني كنت اتعاطي المخدرات ولكن بشكل بسيط وانني ليس عندي مشكلة مع المخدرات ولن اعود إليها ابدا‏...‏ وهذا ما كنت انويه‏..‏ ومضت الأيام واصبح حبي لها يزداد كل يوم‏,‏ بل كل ساعة ودقيقة وثانية‏..‏ اصبحت هي كل شئ احبه في هذه الدنيا‏..‏

لم تكن ظروفها في البيت مستقرة ما بين أب بخيل جدا وزوجة أب مهملة وأخوات كل واحد في حاله‏,‏ لذلك كان حبها لي يزداد أيضا بشدة مع الايام‏,‏ لانها وجدت معي الحنان والحب‏..‏ كنت أريد أن اضعها في قلبي‏..‏ في صدري حتي احميها من كل شئ‏..‏ خطبتها في وقت كنت فيه غير مستعد ماديا ولكن كان عندي يقين بأن الله سوف يساعدني مادمت أريد أن ابدأ حياة هادئة نظيفة مع المرأة التي اختارها قلبي‏..‏ وبالفعل تمت خطبتنا وكنا في ذلك اليوم اسعد اثنين علي وجه الأرض‏..‏ وبدأ الله يكافئني علي توبتي وترك المعاصي‏,‏ فكنت ارزق رزقا واسعا وقمت باستئجار شقة وإعدادها‏,‏ في وقت قصير جدا عقدنا القران وبدأنا الاستعداد للزفاف بعد شهر‏..‏ اقسم بالله اني كنت احس في بعض الاوقات ان قلبي سوف يتوقف عندما افكر ان الوقت الذي سوف اضمها الي صدري في بيتنا قد اقترب‏..‏ كنت ابكي من الفرح عندما كنت افكر بأنني سوف استيقظ لأري هذا الملاك نائما‏..‏ بجواري‏..‏ احبها‏..‏ ولكن حدثت لي مشكلة في يوم ما‏..‏ كثرت علي الديون وتركت عملي وكنت قلقا جدا علي مستقبلنا‏..‏ وقعت مرة أخري في فخ المخدرات ولكن سرعان ما اكتشف من حولي الأمر حتي زوجتي‏..‏ فطلبت الطلاق‏..

وهنا شعرت بأن هذا الطلب يعني القضاء علي كل أمل في حياتي‏..‏ بل القضاء علي انا‏..‏ اصبحت تطلب الطلاق في كل مرة تشك في انني تحت تأثير المخدر‏,..‏ سيدي‏..‏ في الماضي كنت مدمنا ولا استطيع العيش بدون المخدر ولكني عندما عدت لتناول المخدرات هذه المرة كانت مجرد بعض الأدوية والعقاقير المهدئة وكان الامر يحدث علي فترات بعيدة‏..‏ ولكن تطور الأمر مع زوجتي فأخبرت اهلها الذين كان ردهم علي الأمر ان الطلاق هو الحل وانني كنت اختيارا خاطئا من البداية واصبحت تلومهم علي أنهم وافقوا علي‏,‏ ويقومون بالرد عليها انها هي التي اختارت‏..‏ ولكنني لكي احسم الموقف تعهدت إلي اخيها انني لن أكرر موضوع التعاطي وانني سوف ألتزم في العمل ولن اكذب أو أخدعها ابدا واتفقنا علي ان أعمل تحليل مخدرات من وقت إلي آخر حتي تطمئن انني لن أعود إلي هذا الطريق أبدا ما حييت‏..‏ منذ ذلك الوقت وأنا اعيش كل يوم في مشكلات‏,‏ بعض الأوقات تريد الطلاق فهي خائفة من ان نعيش حياة المدمنين التي نعرفها جميعا‏,‏ وبعض الأوقات تقول انها تحبني ولن تتركني مهما حدث‏..‏

وعدتها انني لن افعل اي شئ تكرهه‏..‏ لن أعود إلي طريق المخدرات ولن أكذب عليها مهما حدث‏..‏ بدأت اغير حياتي مرة أخري إلي الافضل‏..‏ تركت المخدرات مرة أخري واستعنت بالله ورزقني الله بالعمل في شركة كبيرة وبدأت المشاكل تذوب مع الايام وبدأت الأمور تهدأ بيننا‏..‏ ولكن هنا حدثت المصيبة الكبري‏..‏ سبب كتابتي هذه الرسالة‏..‏ كنا نجلس أول ايام العيد وكنت امسك يدها وانظر في عينيها وقلت لها هل انت خائفة مني حتي الآن؟ قالت نعم‏..‏ اخاف أن تعود للمخدرات ونعيش في جحيم أنا وأنت‏..‏ وكنت قد عرفت أن هناك ما يسمي بزمالة المدمنين المجهولين‏,‏ وهو عبارة عن برنامج من‏12‏ خطوة يتبعها المدمن حتي يتخلص من مشكلة المخدرات‏,‏ قمت بإخبارها عن هذه الخطوات واحضرت لها الكتاب الخاص بهذه الزمالة‏,‏ وكانت أولي العبارات في الكتاب أن الادمان مرض مزمن لا شفاء منه ولكن يمكن محاصرته وذلك عن طريق الاثنتي عشر خطوة التي يقوم المدمن بعملها طوال حياته واذا توقف عن فعل هذه الاشياء فلا شك في أنه سوف يعود للتعاطي مرة أخري‏..‏ ورغبة مني في بداية صحيحة لمواجهة مرضي‏,‏

ذهبت الي وحدة إخراج المخدرات من الجسم وتعد هذه الخطوة الأولي التي يتخذها المدمن ويقوم بعدها بالذهاب الي مكان علاجي يساعده فيه المشرفون علي تطبيق الـ‏12‏ خطوة ومحاصرة مرضه‏.‏

اتفقنا أنا وهي علي أنني سوف أذهب واقضي الأيام الخمسة في هذا المكان وبعدها أقوم بتطبيق البرنامج وبذلك ينتهي خوفها من عودتي الي المخدرات الي الأبد‏..‏ ولكني فوجئت بأنها تريد الطلاق مرة أخري‏,‏ ولكن هذه المرة بإصرار شديد وهي تقول‏..‏ أنت مدمن وأنا لا استحق أن أعيش مع مدمن‏..‏ أنه مرض لا شفاء منه‏..‏ أنا أخاف اجيب منك أولاد‏..‏ أنت ممكن تتحول في أي وقت‏.‏

سيدي‏..‏ أنا أحب هذه الفتاة‏..‏ أحبها أكثر من كل شيء في حياتي‏..‏ اقسم لك بأنني مستعد أن أفعل أي شيء حتي يتم زواجنا‏..‏ أحبها فهي كل ما بقي لي في الدنيا‏..‏ أعلم جيدا أنني لو فقدتها فسوف أضيع‏..‏ أنا أريد أن أعيش معها وأنجب أطفالا وأصبح أبا محترما‏..‏ أريد أن اعوضها واعوض اهلي عما سببته لهم‏..‏ أريد أن أعيش في سلام‏..‏ إنني أكتب هذه الرسالة حتي اسأل هل أنا مكتوب علي أن أدفع ثمن تعاطي المخدرات طوال حياتي؟‏..‏ ألا يوجد شيء اسمه توبة؟‏..‏ هل استطيع أن أحتفظ بزوجتي وأكون الإنسان المحترم الذي اتمني أن أكون‏..‏؟ هل تقف زوجتي الي جانبي أم تتركني؟؟ سوف تكون ورقة طلاقنا هي نفس ورقة شهادة وفاتي‏..‏ هل استحقها‏..‏؟ كيف اثبت لكل من حولي أنني جاد في رغبتي في العلاج وانني لن أعود بإذن الله ابدا الي التعاطي‏..‏؟‏!‏ أعلم أنني اطلت عليك سيدي‏,‏ اليوم أنا في انتظار اخيها حتي ينهي الموضوع‏..‏ أتوسل اليك أكتب لها بعض الكلمات التي تجعلها تعطيني فرصة‏,‏ والله أنا جاد في طلب المساعدة‏,‏ جاد في كرهي الشديد للمخدرات‏,‏ جاد في حبي لزوجتي‏..‏ ساعدني أرجوك فهي من محبي بريد الجمعة وتتأثر به وبآرائك‏.‏

ساعدوني في الاحتفاظ بزوجتي‏..‏ وأنا علي أتم استعداد للقيام بالإبلاغ عن بعض تجار المخدرات الذين اعرفهم بل واساعد في القبض عليهم‏.‏

سيدي‏:‏ لقد خسرت كثيرا في الطريق الذي كنت اسير فيه‏..‏ ولكنني أفقت‏..‏ وأريد النجاة‏..‏ ساعدني‏.‏

أرجوك حاول مساعدتي بنشر رسالتي وإقناع زوجتي بأنه يوجد أمل وأنه ليس من الضرورة أن أنتكس وأعود للتعاطي‏..‏ إن قربي من الله سوف يحميني‏..‏ وأنا عندي يقين بذلك‏.‏

وبالمناسبة أرجو كتابة موقع زمالة المدمنين المجهولين‏,‏ وأرجو من أي شخص عنده مشكلة مع المخدرات الدخول الي
الموقع‏Narcotics Anonymous, NA, homepage..‏ و معرفة البرنامج لأنه اثبت أنه الطريقة الوحيدة التي تجعل ترك المخدرات والعيش بدونها شيئا ممكنا‏.



رد الكاتب :

*‏ سيدي‏..‏ جاءتني رسالتك في الوقت الذي تتجمع أمامي معلومات مفزعة عن انتشار المخدرات بين الشباب‏,‏ فالهيروين أصبح رخيص الثمن‏,‏ والإقبال زاد علي الكوكايين‏,‏ والعقاقير الطبية المدرجة علي جداول المخدرات‏..‏ شباب يبحث عن متعة لحظية‏,‏ معتقدا أنه يستطيع النجاة في أي وقت يشاء‏,‏ وفجأة يكتشف أنه يفقد رجولته‏,‏ كما يفقد إنسانيته واحترام الآخرين وثقتهم به‏,‏ فيصبح الخروج صعبا وشاقا‏,‏ فإما أن ينجو إذا كانت لديه النية والعزيمة‏,‏ وإما أن يصبح عبئا علي الجميع ـ أهله ومحبيه وأصحابه ـ مطاردا من الشرطة‏,‏ محروما من كل متع الحياة‏,‏ من زوجة صالحة‏,‏ من عمل ينجح فيه وبه‏,‏ من ابن يحمل اسمه ويتباهي به‏.‏

كنت يا عزيزي‏,‏ تسير في طريق الهلاك حتي أرسلت لي ومددت لك وأصدقاء بريد الجمعة يدنا‏,‏ ونجحت في اجتياز الصعب‏,‏ وفي موسم الحصاد‏,‏ ومع أول عاصفة واجهتك‏,‏ انهزمت‏,‏ انتكست‏,‏ خذلت شريكة الحياة التي تعلقت بك وبنت آمالا عليك لتعويضها عما عانته في حياتها‏,‏ وعدت إلي عالم المخدرات‏,‏ عدت لتستنشق مرة أخري رائحة الموت بعد أن تنسمت رائحة الحياة‏.‏

تسأل ـ يا عزيزي ـ ألا يوجد شيء اسمه توبة؟ هل استطيع أن احتفظ بزوجتي وأكون الإنسان المحترم الذي أتمني أن أكون؟‏..‏ نعم‏,‏ من حقك‏,‏ ولكن من منعك هذا الحق؟ ألست أنت الجاني؟ ألست أنت الذي أخللت بواجباتك‏!‏

إذا كان لك حق‏,‏ فعليك واجب‏,‏ وأنت الذي رفض الحصول علي الأول وفرطت فيه‏,‏ ولم تقم بالثاني‏,‏ فمن يطلب ممن؟‏!.‏

من حق زوجتك ألا تأمن لك‏,‏ بعد أن وثقت فيك ووقفت بجوارك‏,‏ ومن حقها ألا تنجب منك الآن‏,‏ فلن يشرف أولادك أن يكون أبوهم مدمنا‏..‏

سيدي‏..‏ تطلب مني أن أقنع زوجتك بوجود الأمل في شفائك‏,‏ وسأفعل وأدعوها لتمنحك الفرصة الأخيرة‏,‏ تساندك حتي تبرأ تماما مما أنت فيه‏,‏ خاصة أنك تعرف طريق العلاج‏,‏ فمحبتك لها تستحق هذه الفرصة‏,‏ علي أن تثبت لها ولنفسك ولنا أنك صادق هذه المرة‏,‏ وأنك بدون وضع شروط ستتوجه إلي إدارة مكافحة المخدرات للإبلاغ عن تجار المخدرات‏,‏ الذين يقتلون الشباب مستقبل الوطن‏.‏

عليك أن تثبت لزوجتك أنك رجلها الذي لا تهزمه المشكلات‏,‏ ليس عيبا أن تخسر مواجهة‏,‏ أن تتعثر‏,‏ أن تفشل‏,‏ العيب هو أن تهرب من المواجهة‏,‏ أن تختبئ خلف المخدر‏,‏ فهو لا يحل مشكلة ولكنه يغيبك مؤقتا عنها‏,‏ وعندما تفيق تكتشف أنك مازلت في موقعك‏,‏ وحيدا في أرض الغرفة‏,‏ أو ضائعا في الطريق‏..‏ اشركها معك في كل أزمة‏,‏ وتأكد أنك معها وبحبكما تستطيعان تجاوز أي محنة‏,‏ أتمني لكما السعادة‏,‏ وفي انتظار أخباركما الطيبة وإلي لقاء بإذن الله‏.‏


**************************

لاتسالنى لماذا من بريد الجمعة

{‏ قد لا تهتم بقراءة رسالتي لكني وجدت نفسي أكتبها علها تخفف ما بي من ألم‏,‏ فدعني أقدم نفسي إليك أولا‏:‏ أنا شيخ في الأربعين من عمري وأعني هذه الكلمة فقد هزمتني همومي وأحزاني حتي تقدم بي العمر عشرات السنين‏,‏ نشأت في أسرة متفاهمة ومتحابة يسودها الاحترام والمودة والتدين لأبوين يشغلان منصب عضوي هيئة تدريس في كليتين مرموقتين وأخ وأخت كانا ومازالا اعز صديقين لي‏.‏

حصلت علي مجموع يؤهلني للالتحاق بكليات القمة في الثانوية العامة‏,‏ لكني اخترت الالتحاق بإحدي الكليات العسكرية رغبة مني في التغيير من نمط الحياة الروتينية التي نحياها اسريا‏,‏ وعارضني والداي في البداية إلا أنهما وافقا عقب ذلك‏,‏ وتخرجت وتم تعييني في المكان الذي كنت أرغبه‏,‏ وعقب تخرجي بعام واحد كنت في حفلة عيد ميلاد شقيقة أحد اصدقائي فتعرفت إلي فتاة أسرتني منذ اللحظة الأولي فوقعت في حبها وتوسمت فيها أن تكون نعم الزوجة لي‏,‏ وتوطدت علاقتنا بعد ذلك وفاتحت أهلي في زواجها فعارضني أهلي في البداية نظرا لوجود فارق اجتماعي بسيط بين اسرتينا‏,‏ إلا أنها من أسرة محترمة جدا وتمت خطبتنا وساعدني والدي

فاشتريت شقة في حي راق في ذلك الوقت وحدثت بعض المشكلات بيني وبين اسرتها إلا أننا تجاوزنا كل تلك العقبات وتزوجنا‏,‏ وكنت لأسرتها نعم الابن‏,‏ حتي ان والدها ووالدتها كانا يعاملاني افضل من معاملتهما لابنهما الوحيد‏,‏ لما وجدا مني‏,‏ من حب وحنان واحترام لهما قبل ابنتهما وبالمثل احتضنتها اسرتي وعاملتها افضل مني‏,‏ بل لا أخفي عليك انني احيانا كنت اتعجب من حبهم لها‏,‏ لكني اعرف السبب فهي خدومة ومرحة ومنطلقة إلا أن الوازع الديني عندها غير قوي وهو ما كنت أحاول تجنبه‏,‏ فهي لا تصلي ولا تعوض أيام الصيام التي تفوتها في رمضان لعذر شرعي وترفض فكرة الحجاب تماما وكنت أحاول إقناعها بذلك دون جدوي‏.‏

احبها برغم انها لا تطهو الطعام‏,‏ فاما أن نتناول الطعام بالخارج أو لدي احد أو نطلبه في المنزل‏.‏

احبها برغم انها كانت تحرمني من نفسها طوال الشهر‏,‏ تمنحني حقي مرة أو مرتين فقط لانها دائما تشعر بتوتر أو لا ترغب‏..‏ احبها برغم وبرغم وبرغم‏...‏

انعم الله علينا بطفلتين آية في الجمال وبعد ذلك بعامين ولد كان نعم الفرحة والبهجة‏,‏ وتوفي والدي فكانت بجواري نعم الزوجة والصديقة‏,‏ نقلت من عملي إلي احدي مدن القناة فكانت سندي وعوني نفسيا‏,‏ ولم تشعرني بشئ‏,‏ فكانت رجل المنزل وأما وابنة وصديقة‏.‏

حتي الآن اظنك لا تجد سببا لمعاناتي فلا تتعجل فهي قادمة‏..‏ منذ نحو احد عشر عاما وجدتها ترغب في العمل لانني دائما علي سفر وفي نفس الوقت ظروفنا المادية لا تسمح بالاستمرار في نفس مستوي المعيشة التي نعيشها في ظل وجود‏3‏ أطفال‏,‏ فوافقتها علي رغبتها ونجحت من خلال معارفي في الحصول علي فرصة عمل مميزة‏,‏ وبعد عام ونصف العام من عملها حدث لها حمل وأصرت علي أن تجهض نفسها بدعوي انها لا تستطيع بدنيا‏,‏ وحاولت معها بشتي الطرق وعارضتها امها وامي وصديقاتها الا انها اصرت ونفذت ما رغبت فيه بعلمي‏,‏ سامحني الله وغفر لي موافقتي لها‏

ومرت بنا الحياة بحلوها ومرها إلي أن قبلت العمل باحدي الشركات المعروفة وأصبحت تتقاضي آلاف الجنيهات شهريا واصبحت هي المتولية معظم نفقات المنزل وتعليم الابناء‏,‏ أما أنا فقد انفقت ميراثي من والدي خلال تلك السنوات ولم يعد لي مصدر رزق غير دخلي من عملي‏,‏ فكنت اشاهد ما تنفقه وأتألم لكني لا اجد سبيلا آخر‏,‏ ولما لا فهي نصفي الثاني وهي حياتنا معا‏,‏ كانت تغير سيارتها بسيارة أحدث كل عام ونصف العام‏,‏ وانا استخدم سيارتي القديمة المتهالكة واحيانا كنت استعير سيارتها‏,‏ وانا سعيد بما تحققه من نجاح وسعيد بها بل صادقت زملاءها وزميلاتها حبا فيها‏

وتمر بنا الحياة لم اسألها يوما فيما انفقت أوكم تقاضت‏,‏ بل كانت تسعدني سعادتها وانا اتقدم بخطي ثابتة في عملي‏,‏ لكني لاحظت تغيرا في شخصيتها وكل من حولنا لاحظوا ذلك‏,‏ فقد اصبحت منطوية لا تتحدث كثيرا لا تضحك وكلما سألتها عن السبب؟ تجيبني بأنها ضغوط العمل‏,‏ حاولت جاهدا ان اخرجها مما هي فيه ولاتستجيب استشرت طبيبا نفسيا وشرحت له حالتها واصطحبتها‏,‏ له فأكد لنا انها تعاني من اكتئاب نفسي ولابد من علاجها‏,‏ فرفضت وعندما خرجنا من عند الطبيب انفجرت في وجهي واتهمتني بأنني سبب مرضها‏,‏ فانا مهملها تماما لا اشتري لها الهدايا ولا أفسحها في الاماكن الراقية ولا أهتم بما تعانيه‏

واخذت تذكرني بما فعلته معي طوال السنين من وقوف بجانبي وتحمل شظف العيش وانها لم تعد في حاجة إلي تماما‏,‏ فلديها كل شئ وهي تحيا معي لأجل اولادنا وطلبت الطلاق بلارجعة‏.‏

تركتها واقمت في احد الفنادق وأخبرت أبنائي انني مسافر إلي عمل‏,‏ وطوال شهر كامل احاول معها وتدخل اهلها واقنعوني بالصبر والتحمل لأجل أولادي‏,‏ وقال لي والدها بالحرف الواحد اصبر واحتسب عند الله تعالي يثيبك في الدنيا والآخرة‏,‏ وقد كان‏,‏ عدت إلي منزلي برغم قسوة كلامها الجارح المهين وفعلت كل ما كانت تطلبه مني فاستدنت واغدقت عليها بالهدايا وكنت اقول لها ان هذه الاموال مكافآت احصل عليها‏,‏ إلي ان من الله علي وتمكنت من بيع قطعة ارض كنت املكها فسددت ديوني وتحسنت احوالي المادية واستمررت في حبها و هي في جفائها‏,‏ فكنت احدثها بالساعات وهي ترد بكلمة أو كلمتين‏..‏ ادعوها للخروج فترفض بزعم أنها متعبة‏,‏ ويدعوها زملاؤها للخروج تكون في احسن حال

تفضل ان يحتفل زملاؤها بعيد ميلادها في العمل فتحضر لهم التورتات والجاتوهات‏,‏ عن احتفالها معي وانا صامت وراض لاجل زهوري الثلاث‏,‏ تتعطف علي احيانا وتمنحني حقوقي الشرعية‏,‏ جسدا بلا روح‏,‏ حتي بدأت امل لقاءها وانا احتسب ذلك عند الله تعالي‏,‏ لم تشعرني مرة واحدة طوال‏9‏ اعوام انها ترغبني كما كانت من قبل‏,‏ بل هو هم ثقيل عليها وحمل تريد ان تتخلص منه سريعا‏,‏ تنفعل علي وفي وجهي‏,‏ وتثور لأتفه الأسباب وأنا اتحملها واكتم مشاعري بداخلي‏.‏ تتظاهر بالسعادة امام الناس وانا ايضا‏,‏ اما في داخلي فاحتضر كل يوم وأسال نفسي لماذا أتحمل‏,‏ واكاد انهار إلا انني اتماسك‏,‏ تقتضي طبيعة عملي ان اترك المنزل‏24‏ يوما تقريبا واعود‏6‏ ايام فتكون في احسن احوالها وانا غائب‏,‏ وفي اسوأ الاحوال حين عودتي‏.‏

يعلم الله تعالي ويشهد علي انني لم اهنها يوما ولم اضربها ولم اسبها ولم يرتفع صوتي عليها لمدة‏16‏ عاما سوي مرة واحدة ثرت في وجهها‏,‏ وبرغم انها كانت المخطئة الا انني من اعتذر وليست هي‏.‏

هل انا مخطئ لانني احب زوجتي هذا الحب؟ هل انا مخطئ لاتباعي وصية رسول الله عليه و سلم رفقا بالقوارير؟

هل انا مخطئ لانني اردت ان اعيش معها كما كان اهلي يعيشون في مودة ورحمة وحب وتفهم؟ هل لانني اشفقت عليها من كل شئ فجعلت حبي لها يجبرني علي التنازل عن كل حقوقي ويجعلني اغض طرفي عما لايرضيني؟

كل ما استطيع قوله هو حسبي الله ونعم الوكيل فيما انا فيه من ظلم‏,‏ كل يوم كان يمر علي كنت افقد فيه عاما من عمري ولم اعترض‏,‏ هل تعرف لماذا؟ ثلاثة اسباب‏:‏ الاول انني مازلت احبها برغم كل ذلك ولاتسألني لماذا‏.‏ الثاني لاجل اولادي‏.‏ والثالث لانني اعرف ان هذا عقاب الله لي في الدنيا لسماحي لها بإجهاض نفسها‏,‏ انا متأكد اننا سوف ننفصل في يوم من الايام وانها لن تستمر معي في الحياة‏,‏ فانا لم اعد اناسبها ماديا ولااجتماعيا‏,‏ لكني ادعو الله ان يطيل ما بيننا من ايام لأجل اولادنا‏,‏ انني لااطلب منك المشورة لكني افضفض بما في داخلي‏,‏ فاذا كان لك رأي في قصتي فأخبرني به‏,‏ واتوسل اليك ان تنشرها لعلها تكون عبرة لكل زوج يحب زوجته اكثر من نفسه ومن الدنيا وما فيها‏,‏ ولكل زوجة تعصي الله في زوجها وحسبي الله ونعم الوكيل‏.‏




رد الكاتب :

**‏ سيدي‏..‏ لن أسألك ـ كما طلبت مني ـ لماذا تحب زوجتك وأم أطفالك علي الرغم من العذاب الذي أذاقتك إياه علي مدي‏11‏ عاما متصلة؟ فالحب لا يحتاج الي مبررات وقد نحسه أونعيشه ونحن نرفضه ونتمني ان يذهب بلا رجعة‏,‏ وكم أذل الحب أعناق الرجال والنساء أيضا‏.‏

لن أسألك لماذا تحبها‏,‏ ولكن أسألك ما الذي تغير؟ ما الذي حدث وجعل تلك الزوجة الرائعة المثالية التي يحبها اهلك أكثر منك‏,‏ الخدومة‏,‏ المرحة‏,‏ والمنطلقة‏,‏ تنقلب عليك وتصاب بالاكتئاب وتتهمك بأنك السبب في ذلك لإهمالك لها وعدم اهتمامك بها؟

لن نستطيع القول إن تغيرها يرجع لضعف الوازع الديني لديها‏,‏ أو لأنها لاتجيد الطهو أو لأن علاقتها الخاصة بك متوترة منذ البداية إذن ما الذي حدث؟

قبل ان تقول لي أن السبب هو خروجها إلي العمل‏,‏ وزيادة مواردها المالية‏,‏ وإنفاقها علي البيت ــ وهو بالتأكيد أحد الأسباب ــ سأقول لك انك تتحمل القدر الأكبر من المسئولية عما آلت إليه حياتكما‏,‏ فمن الواضح من كلماتك ومن إصابة زوجتك بالاكتئاب‏,‏ أنك أهملتها طويلا‏,‏ احببتها بدون تعبيرعن هذا الحب‏,‏ وساهم غيابك الطويل عن البيت في تضخيم احساسها بالفراغ‏,‏ فسعت الي تعويض غيابك بالآخرين‏,‏ استبدلتك بالأصدقاء وزملاء العمل‏,‏ ومع استقرارها واطمئنانها المادي كان من السهل عليها الاستغناء عنك والتصريح الفج والمباشر لك برغبتها في الطلاق‏,‏ ما أعنيه ان تغير الإنسان تجاه من يحب لا يأتي فجأة وانما يتراكم عبر سنوات‏,‏ وانت اعتدت ان تسير المركب بكل ثقوبها آمنا مطمئنا‏,‏ حتي فوجئت بأن المركب تغرق فقررت ان تلقي بكل المسئولية علي شريكة الرحلة‏.‏

سيدي أنا لا أدافع عن زوجتك ولا ألتمس لها المبررات فيما تفعل‏,‏ ولكني أريد ان ارسم معك صورة كاملة لحياتك‏,‏ تلك الحياة التي تذكرت فيها فقط قول الرسول الكريم رفقا بالقوارير لتبرر سلبيتك وانسحابك وتفريطك في حقوقك وواجباتك‏,‏ الواحد تلو الآخر‏,‏ لا تطهو‏,‏ الحل شراء طعام من الخارج‏,‏ تمتنع عن منحك حقوقك الشرعية فتقبل راضيا بتفسير التوتر وعدم الرغبة‏,‏ تعمل هي وتنفق علي البيت‏,‏ فتقبل غير ملتفت إلي أنك تضحي بواحد من أهم شروط قوامة الرجل كما قال سبحانه وتعالي‏:‏ الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم‏.‏

كل حياتك ـ سيدي ـ تفريط في حقوقك‏,‏ لم تثر في وجهها ويرتفع صوتك ـ مع كل ما تفعله معك وبك ـ إلا مرة واحدة علي مدي‏16‏ عاما من الزواج الصعب‏,‏ حتي وأنت تشكو منها مر الشكوي‏,‏ وفي نهاية الرسالة لا تقول أعرف أني لن استمر معها‏,‏ ولكن تري أنها هي التي ستفعل لن تستمر معي في الحياة وأنت ماذا ستفعل ومتي ستغضب وتثور؟ متي ـ سيدي ـ ستعبر عن رفضك وستمارس قوامتك؟ أليس هذا هو الوقت المناسب لمواجهتها‏,‏ لمناقشة فشل علاقتكما الزوجية‏.‏ لماذا تتوتر عندما تقترب منها؟ هل وصل الأمر بها إلي كراهيتك والنفور منك‏,‏ إذا كان الحال هكذا فلتسرحها بإحسان‏,‏ وإذا كان الأمر عكس ذلك فلتتصارحا ولتذهبا معا إلي استشاري في العلاقات الزوجية لعله ينجح فيما فشلتما فيه من أجل الحفاظ علي هذا البيت بمن فيه من أبناء‏,‏ لم تأت بذكرهم ولا بانعكاسات علاقتكما المتوترة عليهم وعلي سلوكهم‏.‏

ما أقوله لك‏,‏ أكرر بعضا منه لزوجتك المتمردة التي تضحي بزوج محب‏,‏ مسالم من أجل ماذا؟ تقول حكمة حبشية وطن المرأة زوجها فماذا عنك بعد أن تهجرين وطنك الآمن‏,‏ وهل تعتقدين أنك بعد‏16‏ عاما من الزواج وثلاثة من الأبناء ستجدين وطنا آخر يمنحك هذا الأمان‏,‏ قد يكون لزوجك أخطاء‏,‏ ولكنك تشاركينه أغلبها‏,‏ فلم تواجهيه مرة واحدة باحتياجاتك إلا بعد اصابتك بالاكتئاب‏,‏ لم تحاولي الاقتراب منه واحتواءه‏,‏ تعاملت مع حبه علي أنه ضعف وانهزام‏,‏ قارنت بينه وبين آخرين‏,‏ نظرت فقط بأنانية إلي عيوبه ولم تتجهي إلي مزاياه وهي عديدة‏,‏ فما تحمله منك وما منحك إياه من حرية ساعدك علي النجاح والترقي والحصول علي أعلي الرواتب‏,‏ تحلم بجزء ضئيل منه نساء كثيرات‏,‏ فهل تفيقا وتتفقا من أجل أسرتكما التي كانت سعيدة‏,‏ أم ستغرقا في أنانيتكما وتنتظران دفع الثمن القاسي عندما يتمزق أبناؤكما أمام عيونكما ويحاسبونكما علي ما فعلتماه بهم‏,‏ أتمني لكما الاختيار الصائب‏,‏ وفقكما الله لما فيه الخير‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏


************************

شهقة واحدة من بريد الجمعة

اكتب اليك بدون تردد ولاتفكير لأن بريد الجمعة هو صديقي عند الشدة وكتف حنون استند إليها في الأزمات‏..‏

اكتب اليك مصيبتي وإن لن تنشرها يكفيني انني اخرجت ما في صدري وفضفضت حتي لا أجن‏.‏

هي ليست مشكلة بقدر ما هي حالة انتابتني‏.‏
انها صديقتي‏..‏ اختي الحبيبة‏..‏ توءم روحي إن صح القول‏..‏

كانت أميرة متوجة علي عرش قلوب كل من عرفها‏,‏ خيرة‏,‏ معطاءة‏,‏ تراعي الله في كل فعل وكل قول‏..‏ عرفتها منذ يومنا الأول في الجامعة‏,‏ وسبحان مؤلف القلوب تآلفت قلوبنا وتحاببنا في الله اختين‏18‏ عاما من العشرة الطيبة‏.‏

عاصرنا مصاعب الحياة ودواماتها وقد كانت هي دائما الكتف الحنون والصدر الدافيء الذي ما إن ارمي همومي بين يديها تتحول بقدرة قادر الي لاشيء‏!!‏

انهي كلامي معها وتبدأ هي في التحدث‏.‏ تأخذني إلي عالم بعيد‏,‏ ولكنه حقيقي من الكلمات المهدئة والجمل المنظمة المدروسة المؤثرة‏.‏

تتحول من فتاة عادية في الجامعة الي جدتي الحكيمة الصابرة ذات الاعوام الثمانين في حكمة القول وأمثال زمان ونصوص القرآن واقوال الرسول ـ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وكلمات الحكماء‏,‏ فتعطيني النصيحة الصحيحة بدون مجاملة وبدون خوف من غضبي وتقول كما تقول امي يابخت من بكاني وبكي الناس علي ولاضحكني وضحك الناس علي‏.‏
عاصرت يوم خطوبتها وفرحها‏,ولادتها‏,‏ ألمها‏,‏ وتعبها‏...‏ وهي كذلك كانت معي في كل اوقاتي‏..‏
هي حقا أختي‏..‏
ذهبت‏...‏ فجأة بدون سابق انذار‏..‏ بدون ان آخذ فرصتي الأخيرة في أن أراها‏,‏ اتكلم معها وجها لوجه كما كانت عادتنا‏..‏ تحدثنا في الهاتف لأطمئن عليها وعلي عزومتها التي تقوم بإعدادها لأهل زوجها هذا اليوم واتفقنا علي ان تعاود الحديث بعد الإفطار‏..‏ ولكن الله كان له تقديرات اخري ـ سبحانه وتعالي‏.‏

سقطت وسط الحاضرين في وليمة الإفطار‏..‏
شهقت شهقة واحدة‏,‏ فاضت روحها إلي خالقها‏..‏ تركتنا وتركت دنيانا المليئة بالغش والمشاعر الكاذبة والكلمات الملونة البراقة الخادعة‏.‏

رحلت في سن الأربعة والثلاثين‏,‏ وتركت أربع زهور أكبرهم في العاشرة واصغرهم ما زال رضيعا في الشهر السابع‏.‏

صلينا عليها بعد صلاة الجمعة اليتيمة‏..‏ وزفت الي مثواها في مسيرة غريبة‏..‏ طويلة حضرها ناس كثيرون وكأنه زفافها‏...‏ دعونا لها وتركناها وعاد كل منا الي بيته ذاهلا غير مصدق‏..‏ عدت من المدافن علي عجل ومددت يدي نحو الهاتف في حركة تلقائية اتصلت برقمها حتي أشكو لها‏..‏ حتي افضفض معها عن حزني وعن ألمي‏..‏ وأفقت انني اتصل بها وانا عائدة لتوي من وداعها‏!!‏

حزينة عيوني لفراقها‏..‏ لم تجف دموعي‏..‏ حزينة أذني لافتقادي صوتها الهاديء وضحكاتها البريئة‏..‏ حزينة نفسي فقدت نصفها‏..‏

لم اكن اعلم ان لها كل هذه المكانة‏..‏ لم أتخيل أصلا ان أحيا هذا اليوم ونحن من كنا نخطط لغد فيه اولادنا معا ونمرح ونضحك علي بعضنا بعضا‏,‏ من منا ستصبح عجوزا قبل الأخري؟‏..‏ أولادي يرونني أنهار امامهم ولاحيلة لي فيما انا فيه‏..‏ فيبكون وينتحبون‏..‏ حزنا عليها فقد كانت هي الأخري امهم وبدون مبالغة‏.‏

سيدي الفاضل‏..‏ اعلم ان اهلها يفتقدونها اكثر مني‏,‏ فقد كانت الابنة البارة بأمها وابويها وأخويها وجدتها وكل اسرتها‏..‏ وكانت الزوجة الصالحة والأم الطيبة والأخت الحنون لكل اقارب زوجها‏..‏

ولكن أنا اجد صعوبة بالغة في ان أتقبل هذا الخبر‏..‏ أستعيذ بالله من الشيطان ومن نفسي ومن عقلي ولكني لااستطيع ان أصدق‏..‏

لا استطيع الأكل ولم اضع في فمي منذ ذلك اليوم إلا رشفات الماء وقليلا من التمرات‏,‏ فحتي معدتي حزينة لاتقبل الطعام‏..‏
أنام وأنام ساعات طوالا لا أريد أن أستيقظ ولو استيقظت فجأة اعتقد انني في كابوس وأحمد الله انني استيقظت منه‏,‏ ولكن انه الواقع الأليم‏..جرح غائر في قلبي‏..‏ صدقت معني كلمة أن تشعر بأن قلبك يعتصره الالم‏,‏ فأنا احسستها حقيقة‏..‏ زهدت في الدنيا‏..‏ لا اريد التحدث مع أحد‏..‏ لا اريد ان اري احدا‏,‏ لا أجد في نفسي اي تقبل لطعام ولاشراب ولا ملبس ولازينة ولافرحة ولايوجد لدي طاقة لفعل أي شيء‏..‏ أشعر أني سأجن‏..‏ ولا اريد أن أغضب ربي في ان اظل أرددها أني لا اصدق فهي أمانة واستردها مالكها‏,‏ ولكن لا يد لي في حزني الذي يسيطر علي بشكل هستيري‏..‏ هل هذا قلة ايمان مني؟ ضعف في النفس؟ هشاشة في التقوي؟‏.‏

يقتلني التفكير الذي لايهدأ وشريط الصور الذي يجري أمام عيني وصوتها الذي لم يفارق اذني‏..‏ أولادها الذين يعتبرونني خالتهم‏..‏ يتقطع قلبي عليهم وعلي يتمهم وحالهم بعدها‏..‏ كنا اربع صديقات وكم كانت تتمني لو تجمعنا كما كنا أيام الجامعة‏..‏ وبالفعل تجمعنا‏..‏ ولكنها لم تكن معنا‏..‏ تجمعنا حولها وبسببها كما كانت دائما تجمعنا عندها في بيتها ولكن لنتقبل العزاء فيها‏,‏ لنودع اخلص من فينا لنا‏..‏ واحن من فينا علينا‏..‏ وأرفق من فينا بنا‏..‏

كيف سيمر علينا العيد؟ أين بهجته وفرحته؟ وأين صوتها المهنيء لي قبل الجميع؟ كانت من اكثر كلماتها الراحمون يرحمهم الله‏.‏

رحمة الله عليك ياحبيبتي الغالية‏,‏ صبرني اللهم علي فراقك وقدرني علي ان ارد لك خيرك معي في اولادك‏..‏



رد الكاتب :

*‏ سيدتي‏..‏ من حقك أن نشاركك ألمك وحزنك‏,‏ فنحن هنا في بريد الجمعة شركاء في الألم والفرح‏.‏ وحقك علينا أن نكون الآن معا‏,‏ نواسيك‏,‏ نحيط بك‏,‏ ونمد أيادينا لمسح دموعك علي صديقتك الرائعة‏,‏ غفر الله لها وأدخلها الفردوس الأعلي لحسن خلقها ورعايتها الطيبة لكل من حولها‏.‏

سيدتي‏..‏ ألم الفراق قاس‏,‏ ولايخفف منه إلا الإيمان بالله‏,‏ فهذا الإيمان هو الذي يجعلنا نقبل فكرة الموت‏,‏ فكلنا يعلم أنه راحل‏,‏ ولكل أجل كتاب‏,‏ ومع ذلك تغرنا الدنيا‏,‏ وتنسينا أن النفس قد يخرج ولايعود‏,‏ في الوقت المحدد له‏,‏ أليس هو القائل ـ سبحانه وتعالي ـ في كتابه الحكيم فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولايستقدمون‏.‏

إن حياتنا ـ طالت أو قصرت ـ رحلة بين بابين‏,‏ واحد للدخول والآخر للخروج‏,‏ وياحسن طالعه من كانت أعماله الطيبة تسبقه‏,‏ فهو في نعيم مقيم‏,‏ وأحسب صاحبتك من هؤلاء‏,‏ ومن يحبها يفرح لها ويسعد بما ستلقاه وهي في المقر الأخير الذي سنذهب إليه جميعا‏.‏

موت الصالح راحة لنفسه كما قال الإمام علي بن أبي طالب‏,‏ فصديقتك ذهبت في موعدها‏,‏ ارتاحت‏,‏ عادت إلي ربها راضية مرضية‏,‏ أما أنتم‏,‏ أهلها وأصدقاؤها فليس عليكم إلا القول إنا لله وإنا إليه راجعون‏,‏ فالرجوع ـ ياعزيزتي ـ لايكون إلا حيث الاستقرار والهدوء‏.‏ نعم الفراق مؤلم‏,‏ ولكنا لانملك إلا الرضا بقضاء الله وقدره‏..‏ قد يقلقك التفكير في أبنائها الصغار‏,‏ ولكن إذا آمنت بحكمة الله وعدله ورحمته‏,‏ لسلمت بأنهم سيكونون في مأمن‏,‏ وماغرسته أمهم في حياتها‏,‏ سيجنيه أبناؤها محبة ورحمة وعطفا ورعاية ممن أحبوا أمهم مثلك‏.‏

سيدتي‏..‏ اخرجي من حزنك‏,‏ وحولي هذا الحزن إلي طاقة محبة تحيط بأبناء صديقتك الراحلة‏,‏ فهم في حاجة إليك‏,‏ ادعي لها وتصدقي علي روحها‏,‏ مطمئنة النفس أنها في مكان أفضل بأكثر مما يصل إليه خيالنا‏,‏ ليجمعنا الله بها في جنته بإذنه ورحمته‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏


***********

نصف ساعة جواز من بريد الجمعة

أكتب اليك الآن لأ تحدث عن مشكلة تعذبني وتؤرق ليلي ونهاري لعل كلماتك الحكيمة تريح قلبي وتجفف دموعي‏..‏ فأنا يا استاذي الفاضل سيدة شابة مررت بمحن وأزمات كثيرة في حياتي منذ أن تفتحت عيناي علي هذه الدنيا‏,‏ وكانت هذه المحن كثيرة ومتنوعة وصعبة علي جدا‏,‏ ولكني منذ صغري وإيماني بالله يمنحني الصبر والتفاؤل والأمل‏,‏ وكنت دائما أقول لنفسي إن غدا سيكون أفضل من اليوم وأمس وإن ما لا يكسرني يقويني وان الله مؤكدا سيجزيني خيرا علي صبري علي ابتلاءاته لي ورضائي بقضائه‏..‏ وانتظرت كثيرا لسنوات طويلة مكافأة الله لي وانتظرت ان يتحقق حلمي البسيط بأن أشعر بطعم الراحة والسعادة والاستقرار‏..‏ انتظرت يدا رحيمة تمتد لي وتجفف دموعي وقلبا حانيا يحتويني وحضنا دافئا يشعرني بالحنان والأمان‏..‏

انتظرت كثيرا ولكن حدث لي عكس كل ما كنت انتظره واحلم به فقد اعتصرتني الحياة وصبت علي المزيد من قسوتها وقسوة من عليها من الناس‏.‏ لن أحكي عن كل ما عانيته وتجاوزته بفضل الله ولكني سأحكي لك عن آخر صدمة حدثت لي وزلزلت كياني وحطمتني لدرجة تهدد بضياع كل ما فعلته من أعمال صالحة وعبادات وايمان بالله وصبر طوال سنوات عمري السابقة فقد طلقت من زواج دام لعدة سنوات مليئة بالمشاكل والدموع وحمدت الله وقلت لنفسي لعل هذا خير‏..‏

وكان هذا الزواج قد أثمر طفلا عمره الآن‏10‏ سنوات يعيش معي في شقة خاصة بي منذ طلاقي وحتي الآن ربيته وتحملت مسئوليته ومسئوليتي وحدي بدون معاونة من أي احد‏..‏ ومرت سنوات بعد طلاقي عانيت فيها الكثير وصادفت فيها الكثير من المشاكل والغش والخداع والمطاردة من الناس والشياطين ممن يحاولون استغلال سيدة وحيدة ومحاولة الاستفادة منها بكل الوسائل فهي في نظرهم فريسة سهلة تنتظر من يلتهمها وكانوا يغرونني في ذلك بالكثير والكثير حتي اضعف واستجيب لهم لكنني والحمد لله رفضت بشدة أيا من ذلك حتي وأنا في قمة ضعفي وذلك لخوفي من الله وعذابه ويقيني بأنه سيعوضني ويرزقني بزوج صالح يعفني ويحميني وأنسي معه حزني وآلامي وأجد معه كل ما افتقده وابحث عنه‏..‏

وتعرفت علي رجل كنت أحسبه ملتزما ويتقي الله ورأيت فيه الكثير من الصفات الجميلة التي قلما توجد في رجل واحد وعرض علي الزواج وفرحت كثيرا وقلت إنه اكثر انسان مناسب لي وانه هو الرجل المنتظر الذي بعثه الله لي لينقذني مما أنا فيه واحببته جدا لأكبر درجة ممكنة ووثقت به اشد الثقة‏,‏ وكان قد اخطأ في بداية تعارفنا وقال لي إنه مطلق لكنه أوضح لي فيما بعد أنه متزوج ولديه اطفال‏..‏ حاولت الابتعاد عنه بعد معرفتي لهذه الحقيقة وذلك لرفضي الزواج من رجل متزوج لأسباب عديدة‏,‏ ولكني لم استطع الابتعاد عنه‏,‏ لأنني كنت قد تعلقت به جدا وهو ايضا كذلك‏,‏ فعدت اليه بعد وعد منه بانه سيحاول اقناع زوجته بزواجنا حتي يكون ذلك بعلمها ورضاها وانه سوف يعاملنا بالعدل وفق شرع الله وقد قابل والدي وقال له هذا الكلام ووافقنا كلنا عليه ولم نجد فيه أي مشكلة‏..‏

ولكن زوجته رفضت بشدة وحدثت مشاكل كبيرة بينهما وصلت لطلبها الطلاق‏,‏ وقد اتصلت بها وشرحت لها ظروفي ومدي معاناتي واحتياجي الشديد من كل النواحي للزواج من هذا الرجل‏,‏ وتوسلت لها لكي توافق علي زواجي من زوجها بأي شروط تشترطها هي وقلت لها بأنني لن أجور علي حقوقها ولن آخذه منها ومن أولاده وانني مستعدة أن اتخلي عن حقي في أن يعاملني بالعدل والمساواة معها وانني موافقة علي ان يأتيني في الوقت الذي تحدده هي ولو ليوم واحد في الأسبوع‏..‏ يوم واحد أشعر فيه بالسعادة والراحة والأمان وانسي فيه هموم ومشاكل باقي أيام الأسبوع وأشحن فيه طاقتي لكي استطيع تحمل ومواجهة كل المشاق والصعاب التي أواجهها وحدي‏..‏ ولكنها رفضت بمنتهي القسوة والأنانية وقالت لي إنها لن تتركه ولو لدقيقة واحدة‏..‏ وأمام عنادها وأنانيتها وخوفه هو علي بيته وأطفاله قال لها إنه سوف يعدل عن هذه الفكرة‏..‏

ولكن في ذات الوقت ولتمسكنا ببعضنا اقترح علي ان نتزوج عرفيا حتي يستطيع مع الوقت ان يقنع زوجته واهله بزواجنا ويجعلهم يتقبلونه‏..‏ ووافقت علي هذه الفكرة التي لم أقبلها من كثيرين طلبوها مني قبله ولكني وافقت عليها معه هو بالذات لحبي الشديد‏.‏

وحدث ان تزوجنا عرفيا في وجود شهود وعاشرني معاشرة الأزواج لمدة نصف ساعة فقط كنت فيها اسعد انسانة في الوجود وحمدت الله وشكرته كثيرا علي السعادة التي منحني اياها بعد كل مالاقيته في حياتي وكنت اعتقد ان هذا بداية سعادتي ونهاية تعاستي‏,‏ ولم اكن اتوقع ابدا انني سأفقد هذه السعادة التي شعرت بها لدقائق معدودة وان تعاستي الحقيقية ستبدأ وانني سأصدم صدمة حياتي التي لم ولن اتحملها منذ حدوثها من عدة اشهر وحتي الآن‏..‏ لن تتوقع ماحدث ياسيدي‏..‏

فبعد زواجي منه بنصف ساعة تركني لاسباب واهية وبعدها بأيام قليلة طلقني بحجة ان زوجته اكتشفت زواجنا وانه لن يستطيع الاستمرار معي خاصة بعد الحاحي عليه بالاتصالات ورسائل الموبايل خلال الايام التي تركني فيها بعد زواجنا‏..‏ توسلت اليه لكي لايتركني واقسمت له بانني لن استطيع ان اعيش بدونه ولكنه لم يرحمني ولم يبال بتوسلاتي ودموعي وأدار لي ظهره وانا في اشد الاحتياج له‏..‏ رماني من اعلي السماوات الي اسفل ارض‏..‏

نسي كلامه عن حبه لي وتمسكه بي ووعوده بالوقوف بجانبي وعدم التخلي عني وتحول الي انسان آخر عكس تماما الانسان الذي عرفته واحببته بمنتهي الصدق والاخلاص والجنون‏..‏ تركني ونسيني وعاش حياته عادي جدا ولم يفكر حتي في الاتصال بي ولو لمرة واحدة منذ حدث ذلك من عدة شهور والي الان حتي يطمئن علي او علي الاقل ليعلم ماحدث لي بعد مافعله بي‏,‏ بل علي العكس غير ارقام تليفوناته واختفي من حياتي وأخرجني من حياته وكأني لم ادخلها ابدا‏..‏ ولم اكن اتوقع ذلك منه ابدا وكنت اعتقد ان لو كل الناس غدروا بي فهو الوحيد الذي لن يغدر بي وانه لن يخذلني ابدا‏..‏ لكنه مع الاسف فعلها وغدر بي وخذلني وقتل كل شيء جميل في‏,‏ ولم يترك لي الا الالم والعذاب والدموع واليأس وصدمة نفسية رهيبة لم اشف منها حتي الان برغم لجوئي الي الطب النفسي بدون فائدة‏..‏

والاكثر من ذلك انه افقدني اي امل في غدي وفي الحياة كلها وفي الناس وفي كل الاشياء الجميلة التي كنت احلم بها واتمناها من الله‏..‏ تصور افقدني الامل في الله؟ فقد شعرت بإحساس فظيع ارجو ان يسامحني الله عليه وهو ان الله قد خذلني وخيب رجائي فيه‏..‏ فقد كنت احسب نفسي من عباده المتقين المقربين الذين هم في رعايته وحمايته وكنت قد صليت كثيرا صلاة الاستخارة لله قبل هذا الزواج ودعوته كثيرا في كل وقت ان يقدر لي الزواج من هذا الانسان ويبارك زواجنا اذا كان هذا خيرا لي وان يبعد عني هذا الانسان ولا يزوجني به اذا كان هذا شرا لي‏..‏ فلما حدث وتزوجنا لم يكن عندي ادني شك في ان الله اختار لي الزواج به لعلمه بأن هذا خير لي‏..‏ ولكن بعد ماحدث اجد نفسي مضطربة واتساءل لماذا فعل الله هذا بي وانا العبدة الملتزمة المتقية له؟ فإذا كان هذا الزواج ليس خيرا لي فلماذا قدره الله لي ولم يبعد عني هذا الشخص بدون أن اتزوجه وكان هذا سيكون افضل وارحم لي؟

هل هذه هي مكافأة الله لي علي تديني والتزامي ومقاومتي للمعصية والشيطان واعوانه في احلك لحظات حياتي؟ لقد فقدت رغبتي في الحياة في هذه الدنيا المليئة بالكذب والخداع والظلم والقسوة والانانية‏..‏ كيف احيا وسط ناس يعيشون بهذه الصفات الكريهة‏.‏

كيف استطيع ان احب مرة أخري أو ان اثق في انسان آخر وأنا اعيش الآن كالاموات واتألم في كل لحظة بسبب اكثر انسان احببته ووثقت فيه في هذه الدنيا؟ وحالتي هذه دفعتني كثيرا الي التفكير في الانتحار حتي اتخلص من هذه الحياة ومن هذا العذاب واقدمت فعلا علي ذلك اكثر من مرة ولكني كنت اتراجع في آخر لحظة ليس حبا في الحياة أوخوفا من الموت ولكن فقط لخوفي من الله ومن عقابه برغم علمي بأن الرضا بالمقسوم عبادة ولكني مازلت بيني وبين نفسي غير راضية عما حدث لي ولا أجد فيه أي خير لي ولا حتي في المستقبل البعيد لأن لو كان استمراري مع هذا الشخص شرا لي لأبعده الله عني منذ البداية ومنعني من الزواج منه أصلا‏..‏ أرجو أن يسامحني الله علي شعوري هذا وعلي لومي له كلما تألمت وبكيت لانه كان قادرا علي تجنيبي هذه الصدمة وهذا العتاب ولكنه لم يفعل‏.‏

اعرف انك ربما تلومني علي ما قلته ولكن صدقني ما اعانيه اكبر بكثير مما قلته‏,‏ ومهما قلت فلن اجد كلمات تصف بحق ما أنا فيه واعرف انني قلت في البداية ان مالا يكسرني يقويني ولكن ما حدث لي لم يستطع أن يقويني هذه المرة لأنه بالفعل كسرني إلي آلاف القطع الصغيرة التي يستحيل جمعها واعادتها إلي ما كانت عليه فليس هناك اصعب من انكسار النفس والروح‏..‏ فماذا تقول لي وهل لديك ما تقوله لهذا الرجل ولزوجته؟


رد الكاتب :

*‏ سيدتي‏..‏ لم يستوقفني في رسالتك إحساسك بالمرارة والألم تجاه شخص خدعك ـ بمساعدتك ـ وخان ثقتك التي وضعتها في غير محلها‏,‏ فهذا ليس بجديد‏,‏ وكلنا معرض لذلك‏,‏ ولكن ما استوقفني في كلماتك‏,‏ هو هذا العتاب لله سبحانه وتعالي‏,‏ وتعاملك مع هذه العلاقة السامية بالقطعة‏,‏ وكأن التزامك بالحفاظ علي نفسك من الزلل‏,‏ أو طاعتك لله‏,‏ يفرض عليه ـ حاشا لله ـ أن يحقق لك ما تريدين حسب حاجتك ورؤيتك‏,‏ متشككة في عدله ورحمته‏,‏ مطالبة بأن تريهما في اللحظة التي تناسبك وترضيك جاهلة قوله سبحانه وتعالي‏:‏ قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر صدق الله العظيم‏.‏

سيدتي‏..‏ ليست القلوب الطاهرة هي التي تتجنب المطر‏,‏ بل تلك التي تحمل المظلات‏,‏ وأنت وعلي الرغم من معاناتك في تجربة زواجك الأولي‏,‏ إلا فإنك اندفعت إلي موجة هادرة‏,‏ فيما كان عليك أن ترتجفي قبل الوقوف أمام الموجة الهادئة‏,‏ هكذا يفعل سيدتي من سبق له الغرق‏.‏

لا أعرف إلي أي شئ استندت إلي قبولك الارتباط برجل عجز أن يواجه واقعه ويتحمل ثمن اختياره‏,‏ فقرر أن يقودك إلي الطريق الخطأ‏,‏ لم تصل صلاة استخارة ليطمئن قلبك إلي زواج سري‏,‏ بل كانت صلاتك للسؤال والهداية إلي الخطأ‏,‏ ولأنك كنت مندفعة بمشاعرك قبلت أن تتزوجي سرا‏,‏ وهذا ما قال عنه علماؤنا إنه ليس زواجا شرعيا‏,‏ فالخطأ منك وعليك أن تتوبي إلي الله‏,‏ فالثمرة المحرمة لم تكن أبدا ثمرة الجائعين‏.‏

اخترت الإنسان الخطأ والوسيلة الخطأ‏,‏ فلومي نفسك أولا‏,‏ وثقي بعدل الله وعفوه وانتقامه‏,‏ ولا تيأسي من الحياة‏,‏ فليس من الحكمة أبدا أن نلقي بأنفسنا في البحر قبل أن تغرق السفينة‏,‏ فالحياة تستحق أن نعيشها لأنها كالشعلة إما أن نحترق بنارها‏,‏ أو نطفئها ونعيش في ظلام فماذا سيكون اختيارك؟‏!.‏

نصف ساعة زواج فقط تلك التي عشتها وتسألينني هل لدي ما أقوله لهذا الرجل المخادع وزوجته‏,‏ أما عن الزوجة فليس لدي أي عتب عليها ولا أتصور أبدا قبول زوجة وأم بنفس راضية أن تشاركها أخري في زوجها‏,‏ ومن حقها أن تدافع عن حياتها واستقرار أسرتها‏.‏

أما ما فعله معك هذا الرجل‏,‏ فهو ظلم بين‏,‏ اشتهاك ولم يستطع الوصول إليك‏,‏ فلجأ إلي صيغة الزواج العرفي المحرم‏,‏ أشبع شهوته الدونية في نصف ساعة‏,‏ ثم فر ليحافظ علي أسرته‏,‏ غافلا أن الله سبحانه وتعالي يقول في كتابه الكريم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم فوعد الله حق‏.‏

سيدتي‏..‏ لا تضربي رأسك في الحائط‏,‏ لأنك وحدك ستتألمين‏,‏ تذكري أن لك ابنا صغيرا في حاجة إليك وأنت مكلفة برعايته والاهتمام به‏..‏ ارض بما أنت فيه‏,‏ فليس الشقاء أن تكون أعمي‏,‏ بل الشقاء أن تعجز عن احتمال العمي‏,‏ كما قال المفكر الفيلسوف جون ميلتون‏..‏ فابحثي عن الجميل في حياتك‏..‏ ارضي بابتلاء الله ليكون لك الرضا‏,‏ وأصبري‏,‏ فالصبر ضياء‏,‏ وانسي هذا الرجل لأنه لا يستحق تألمك من أجله‏..‏ الأولي أن تتألمي لسوء ظنك بالرحمن الرحيم‏..‏ رحمك وهداك وخفف عنك وغفر لك ولنا‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

عناق الشيطان من بريد الجمعة

*‏ أنا طالبة في مقتبل العمر أدرس بكلية من الكليات الأدبية وأعمل في الوقت نفسه لأكون مستقبلي‏,‏ والدي يعمل في مركز مرموق وأمي أيضا‏.‏

لي من الأخوة اثنان هما كل حياتي وعمري‏,‏ بنت انتهت من دراستها وولد في المدرسة ـ وفقه الله‏.‏

مشكلتي كي لا اطيل عليك أني أعيش في بئر من الخيانة‏.‏ ارفض أي شخص يود الارتباط بي بسبب مارأيت في سنين عمري التي من المفترض أن اعيشها واحبها‏.‏ اتذكر جيدا مقدار الحب الذي كان بين أبي وأمي والذي تحول مع الزمن إلي خرس تام‏.‏

ابي وأمي متزوجان عن قصة حب جميلة جدا انتهت بالزواج وزينها الله بثلاثة من الأبناء‏.‏

مرت علينا لحظات فرح ولحظات حزن وكم كنت اري أبي وأمي متماسكين إلي أقصي حد ومتحابين إلي أن تزول العاصفة‏.‏

كل هذا كان مستمرا إلي مايقرب من الخمسة عشر عاما‏,‏ ولكن فجأة كل هذا الحب انتهي أو أخذ استراحة بسبب دخول الإنترنت الذي يعتبر كارثة حقيقية حلت علي هذا البيت والتي اتمني زوالها‏.‏

أصبح الإنترنت وبرامج المحادثات تشغل جزءا كبيرا من حياة كل منا ولكن بسبب الحب الموجود بيننا أنا وأخوتي استطعنا نحن الثلاثة الهروب من هذه الدوامة‏.‏
ولكني يبقي أبي وأمي
أبي اصبح الكمبيوتر والإنترنت والدردشة مع أصدقائه هم كل حياته بجانب العمل‏.‏ أمانحن فلا وجود لنا‏,‏ أري كثيرا هاتفه في ساعات متأخرة من الليل يستقبل مكالمات النساء وأري أسماءهن وبجانبهن بعض الكلمات مثل حبيبتي أو روح قلبي‏.‏

كذبت عيني مرات عديدة وقلت في نفسي انه ربما يصنع هذا من أجل إثارة غيرة أمي ولكن صدقت ما رأته عيناي عندما انفجر في وجوهنا بألا نلمس هاتفه وإلا كان عقابنا مريرا‏.‏

أمي بنفسها رأت من قبل علي هاتف أبي رسائل يرسلها ويستقبلها من نساء كثيرات نساء غير محترمات وألمحه كثيرا وهو يتحدث مع سيدات عن طريق الإنترنت وينفي امامهن انه متزوج اصلا‏.‏ أعترف ايضا بخطأ أمي لانها اصبحت مهملة في نفسها ولكنها عندما حاولت الاصلاح وجدت استهزاء من جانب أبي وعندما تذكره بحبهما يتجاهل تماما كلماتها‏,‏ وبذلك اصبحت كالمنتظرة الموت بلهفة واصبحنا نحن الثلاثة لانطيق البيت‏.‏

نعلم جيدا ان مصيرنا مهما كان هو التوبيخ لأتفه الأسباب والصياح في وجوهنا دائما‏.‏

حاولنا كثيرا جذب أبي إلي البيت‏,‏ وأن نذكره ان بيته هو مملكته ولكن لايصيبنا إلا الصراخ‏.‏

لقد ضاع أبي بسبب المراهقة المتأخرة‏(‏ وأنا في شدة الخزي أن أقول هذا‏)‏ وبسبب إهمال أمي وبسبب الإنترنت ولانعرف كيف نجده أو نستعيده وضاعت أمي في بحر الإهمال وضعنا نحن الثلاثة من ذاكرتهما‏.‏

لايوجد شيء اسمه الحب هذه العبارة أقولها أنا وأختي إلي أي شاب يجيء ليرتبط بنا لاننا ـ والحمد الله متدينات وعلي سمعة طيبة ولكننا أصبحنا نكره مجرد فكرة الزواج لاننا لانرغب في أن نصبح مثل أمي أو أن نتزوج رجلا مثل أبي‏!‏ وأخي اصبح كالحائر خاصة انه في سن مراهقة احس انه يود ألا يري كل هذا لانه يعتبر عبئا عليه في سنه هذه التي من المفترض ان تكون من أجمل سنين عمره وانا واخته الكبري نحاول علي قدر استطاعنا توجيهه ونصحه دائما‏.‏

وأخيرا‏,‏ ترك أبي الصلاة وترك مصاريف البيت كلها علي أمي وبالرغم من ذلك يحاسبها علي أدق الأشياء حتي مصاريف الجامعة تركها علي أنا ايضا‏,‏ ضاع الحب من البيت وأخذ معه الاحترام بين والدي ووالدتي فأصبح الصياح والشتائم من شيم بيتنا ومات البيت الجميل ومتنا نحن الثلاثة من داخلنا‏,‏ لا أعلم بسبب من فيهما‏.‏

أعلم انها قضية تافهة بالنسبة للقضايا التي تعرضها في بريد الجمعة ولكنها مهمة جدا بالنسبة لأسرتنا‏,‏ اتمني من كل قلبي أن تنشرها لأن أمي من اشد المعجبين بصفحة بريد الجمعة والمؤكد اني سأجعل أبي يقرأها لعل وعسي أن يعود إلينا كما كان‏.




رد الكاتب :

**‏ صغيرتي‏..‏ لا أعرف ماذا سيكون شعور والدك ومن يفعل مثله عندما يقرأ سطور رسالتك الصادقة‏,‏ البريئة والمضطربة ـ وقد آثرت ان أتركها بصياغتك ـ هل سيعود إلي رشده‏,‏ ويري صورته المهتزة في عيون أبنائه ويفهم أنه بتصرفاته المراهقة‏,‏ وغير المسئولة وبأنانية مكتملة يدمر قلوبا صغيرة‏,‏ ويغتال حبا لن يجده عند أحد مثلهم‏.‏ وأنه يهدم في داخلهم كل قيمة جميلة للحب وللزواج‏.‏ هل يفيق والدك من غفوته ومن طيشه ومن إثمه ونحن علي أبواب شهر كريم‏,‏ فيجمعكم في حضنه ويعتذر لكم عن أخطائه في حق ربه وفي حقكم‏,‏ أم تأخذه العزة بالإثم‏,‏ فيراك ابنة غير مؤدبة‏,‏ ويعانقه الشيطان مهنئا ليواصل تدمير أسرته التي كانت يوما هانئة‏.‏

الحمد الله ـ يا ابنتي ـ أن وهبك وشقيقتك وشقيقك هذا العقل الذي كان والدك الأحق بالفخر والتباهي بكم‏,‏ فلا تجعلي تصرفات والدك تؤثر فيكم‏,‏ فليس كل الرجال مثل والدك‏,‏ تذكري دائما صورته علي مدي‏15‏ عاما سابقة‏,‏ وتعاملي مع مايحدث علي أنه حالة مرضية ندعو الله أن تزول‏.‏ أما والدتك فأنا اتفق معك أنها أخطأت في حق نفسها وحق زوجها بإهمالها لنفسها‏,‏ وإن كان هذا ليس مبررا لما يفعله‏,‏ وأدعوها مع كل تصرفاته ألا تهمل في شكلها وتحافظ دوما علي جمالها وأناقتها‏,‏ حتي لايجد لنفسه مبررا لما يفعله‏.‏

وأعود للأب ومن مثله وأذكره بأن الأقسي من هدم البيوت هو هدم الحب في القلوب الصادقة‏,‏ وعندما يأتي اليوم الذي لن تسعفك فيه صحتك ويخذلك العمر وتنفض من حولك نساء الموبايل والشات وقتها لن تجد إلا الحنظل الذي زرعته‏,‏ فعد إلي رعيتك أيها الراعي وكن كما يجب أن تكون زوجا وأبا محبا حنونا‏,‏ هداك الله وحفظ لك أبناءك‏.‏

بداية القصة من بريد الجمعة

قبل أن أبدأ خطابي إليك أريد أن أنوه بما كان ومازال لبريد الجمعة من أثر في حياتي الشخصية خلال سنين طويلة‏,‏ حيث انتظرت ثلاث سنوات بأكملها لكي أعرف نهاية قصتي ثم أكتب لك عنها‏..‏

وفي البداية فإنني فتاة في السادسة والعشرين من عمري‏..‏ ولقد شاءت لي الأقدار أن أقرأ في بابك منذ ست سنوات قصة بعنوان الخط الأحمر لفتاة روت لك أنها قد تخلت عن حبيب عمرها الذي ارتبطت به سنوات عديدة لضعف إمكاناته المادية‏..‏ واستجابت لإغراء المادة والعريس الجاهز الذي تعدها الحياة معه بالرفاهية والراحة بلا معاناة ولا صبر علي سنوات البداية‏,‏ وكيف انكسر قلب فتاها الذي أحبها بصدق وحلم بالارتباط بها ولم يسيء إليها في شيء‏,‏ ولم يرتكب جرما سوي أنه شاب في بداية حياته كغيره من الشباب ويحتاج إلي عدة سنوات من الكفاح لكي يبني حياته ويتزوجها‏

فكان أن هجرته لتتزوج بمن لا تعرفه ولم تجتذبها إليه سوي مظاهر ثرائه‏,‏ بعد أن استمعت إلي صوت العقل وسخرت من حكاية الكفاح لبناء عش الحب الذي كان يطالبها به فتاها وهو يتوسل إليها باكيا ومتذللا لكيلا تتركه‏,‏ فتفرقت بهما الطرق‏,‏ فإذا به خلال سنوات قليلة يحقق نجاحه العملي في الحياة وتنفتح له أبواب الرزق الحلال‏,‏ ويصبح جاهزا لأن يتزوج أي فتاة كفتاته الغادرة مهما تكن الأعباء‏..‏ أما هي فقد فشلت في حياتها الزوجية ولقيت من الشقاء وسوء المعاملة من زوجها ما دفعها دفعا لطلب الانفصال يائسة من أي أمل في الإصلاح وطلقت منه بعد سنوات قليلة

ورجعت إلي بيت أبيها وفي يدها طفل حائر‏,‏ واشتبكت مع زوجها السابق في منازعات قضائية لا نهاية لها‏,‏ وبغير أن تحصل علي شيء من حقوقها المادية‏..‏ أو تنعم بالحياة الناعمة التي هجرت فتاها من أجلها‏,‏ ثم كتبت إليك تناشدك أن تكتب إلي حبيب العمر‏,‏ الذي لم يكن قد تزوج بعد عند نشر الرسالة‏,‏ متسائلا هل يمكن أن يغفر لها خيانة الحب من أجل المال ويعيد اجتماع شملهما مرة أخري‏,‏ بعد أن تلقت أقسي الدروس وشعرت بأكبر الندم علي تخليها عنه؟‏..‏ ولأمر ما لم يكن واضحا في ذهني وقتها

وجدت نفسي أقتطع الصفحة التي تضم هذه القصة واحتفظ بها في دفتري‏,‏ ثم أعيد من حين لآخر قراءة ردك علي هذه السيدة وكلماتك لها عن الأشياء التي لا تعوض والأشياء التي يمكن تعويضها أو الصبر علي نقصها في حياة الانسان‏,‏ ولا أبالغ إذا قلت لك إنني قرأت هذه الكلمات عشرات المرات‏,‏ وكأني كنت أشعر في داخلي بأنها سيكون لها أثر ما ذات يوم في حياتي‏,‏ ومنذ ثلاث سنوات التحقت بالدراسات العليا بالكلية النظرية التي تخرجت فيها‏,‏ وكنت أحيا حياة سهلة مريحة ولا أعاني أي مشكلات مادية أو إنسانية‏,‏ فأبي يعمل بالخارج منذ أثني عشر عاما‏

وأنا أذهب إلي الكلية بالسيارة الخاصة‏,‏ ولي صحبة من الصديقات من نفس مستواي المادي والاجتماعي‏,‏ نمضي معا أسعد الأوقات‏,‏ ومع بداية العام الدراسي لاحظت أن معنا شابا خفيف الظل ومحترما ووقورا ومتفوقا في دراسته وأساتذتنا يعرفونه ويحبونه لتفوقه ولشخصيته المحترمة بين الزملاء‏,‏ وعرفت أنه معيد بأحد أقسام الكلية ويدرس معنا للحصول علي الماجستير‏,‏ ويوما بعد يوم اكتشفنا أن هناك صفات كثيرة مشتركة تجمع بيننا‏,‏ وبدأ كل منا يقترب من الآخر وينجذب إليه‏,‏ لكن تحفظا ما ـ لا أدري كنهه ـ جعله يحجم عن مصارحتي بمشاعره التي لا تخطئها عيني كلما التقينا في الجامعة‏

وذات يوم وجدتني أسأله بصراحة هل هو مرتبط بفتاة أخري؟ فأجابني بالنفي فوجدت نفسي أوجه إليه سؤالا أذهله سماعه مني وعقد لسانه فلم يستطع الرد علي الفور‏,‏ إذ سألته فجأة‏:‏ لماذا لم تصارحني بحبك حتي الآن؟ فنظر إلي الشاب مذهولا للحظات ثم تمالك نفسه وأجابني بأنه لم يسمح لنفسه بأن يعشمني بشيء لا يستطيع الوفاء به‏,‏ فهو كما قال لي ـ في شيء من الانكسار ـ لا يملك من حطام الدنيا سوي مرتبه الحكومي من الجامعة‏,‏ إلي جانب عائد بسيط من عمل مسائي يقوم به‏,‏ وليست لديه شقة للزواج ولا يملك أي كماليات ولا يقدر علي أعباء الزواج‏,‏ ووالده رجل بسيط لا يملك ما يساعده به وأخوته واخواته كلهم كذلك وإن كانوا جميعا جامعيين ولهم مراكزهم الاجتماعية المرموقة‏..‏ فكيف يسمح لنفسه أن يصارحني بمشاعره وهو غير كفء لي من الناحية المالية‏..‏ ولا يستطيع أن يتوج مشاعره هذه بالزواج‏!‏

وتفكرت في كلامه كثيرا ووجدته محقا فيه‏..‏ وانقطعت عن الذهاب إلي الجامعة لعدة أيام استغرقت خلالها في التفكير‏,‏ تساءلت مرارا كيف سيقبل أهلي حقا بشاب لا يملك أربعة جدران يمكن أن أعيش فيها‏..‏ واتخذت قراري بعد تفكير عميق بأن نظل زميلين يتبادلان الاحترام كما كنا‏,‏ وألا تتجاوز صلتي به هذه الحدود‏.‏ ورجعت للجامعة بهذه النية‏,‏ غير أن قراري سرعان ما ذاب في حرارة لقائه بي ولهفته لرؤيتي وتساؤلاته عن سبب انقطاعي عن دراستي‏..‏ ووجدته قد أعد لي ما فاتني من محاضرات‏,‏ فلم أتمالك مشاعري‏.‏ ووجدتني أصارحه بحبي له وهو يصارحني بحبه العميق لي‏..‏

وجلسنا معا بعض الوقت خارج قاعة المحاضرات‏,‏ وأنا أشعر أننا نعيش لحظة حاسمة من أجمل لحظات العمر‏,‏ ورجعت إلي البيت وأخرجت الصفحة القديمة من بريد الجمعة‏..‏ وأعود لقراءتها وأتوقف أمام كلمات الندم التي سطرتها كاتبة الرسالة علي فقدها لحب العمر‏,‏ وأعيد قراءة كلماتك عن الأشياء التي تستحق أن نصبر ونبذل العرق والدموع من أجلها‏,‏ إلي أن يحين قطافها‏,‏ لأنها إذا ضاعت منا فلا شيء يعوضنا عنها‏..‏ وحسمت أمري علي الصبر والانتظار وتحمل ضريبة السعادة التي ارجوها لنفسي‏,‏ وكانت العقبة الرئيسية أمامنا هي ضرورة الانتظار لمدة ثلاث سنوات لحين الانتهاء من الدراسات العليا‏,‏ ثم نبدأ خطواتنا معا علي طريق المستقبل‏.‏

ولن أحكي لك عن حجم المعاناة التي عانيناها طوال هذه السنوات الثلاث مع أهلي وأهله ومع دراستنا‏,‏ فلقد عارض الأهل علي الجانبين من الانتظار لمدة ثلاث سنوات‏,‏ ثم وافق الجميع في النهاية حين لمسوا تمسك كل منا بالآخر‏,‏ واتفقت مع أهلي علي أنني سوف أبني بيتا مع من أحب جدارا جدارا وأنني سعيدة بذلك‏,‏ فسلم لنا الأهل بما أردنا‏..‏ ومنحونا بعد المعارضة التأييد‏,‏ ومضت السنوات الثلاث ونحن نتشارك في أعباء الدراسة ونتبادل التشجيع وتهوين الطريق علينا‏,‏ إلي أن انتهينا بعد عناء شديد من دراستنا‏,‏ وحصل كل منا علي درجته العلمية وبدأنا سعينا للعمل‏

وطلبت بعض الدول العربية تخصصاتنا وذهبنا إلي السفارات لنجري المقابلات الشخصية وقلوبنا واجفة تتضرع إلي الله أن يحقق آمالنا فلم يردنا الله خائبين‏..‏ وجاءنا سبحانه وتعالي بالبشري‏..‏ فأسرعنا نعقد قراننا ونحتفل باجتماع شملنا في أضيق الحدود‏,‏ وأنهينا استعداداتنا سريعا للسفر‏..‏ وسافرنا‏.‏

وها أنا أكتب لك الآن بعد أن أصبح لي عش صغير في هذا البلد الجميل الذي سافرت إليه مع زوجي‏,‏ لكي أقول لقرائك‏:‏ إن الله مع الصابرين إذا صبروا‏.‏ وأقول لكل شاب‏:‏ إن الله سبحانه وتعالي قد أوجد له الرزق‏,‏ لكنه لابد أن يسعي إليه بالكفاح والصبر وتحمل مشاق الطريق بلا كلل ولا يأس‏..‏ ولكل فتاة‏:‏ إن عليها أن تحسن اختيار شريك حياتها والا تختاره علي أساس امكاناته المادية فقط

لأن الله هو الرزاق‏..‏ ولسوف يرزقها سبحانه وتعالي بقدر صبرها وكفاحها وتمسكها بدينها ومبادئها‏,‏ ولكي أقول أيضا لكل أم وأب أن يحثوا بناتهم علي الكفاح مع أزواجهن ليشعرن بقيمة الحياة لأن ما يأتي بالعرق والكفاح لا تذروه الرياح‏,‏ وأخيرا ياسيدي فإنني أعيش الآن أجمل أيام حياتي في ظل إنسان عطوف وحنون وصادق الحب‏,‏ وكل ذلك بفضل توجيهات بريد الجمعة ونظراته في الحياة‏,‏ وبفضل تلك الصفحة القديمة منه‏.‏ التي مازالت احتفظ بها حتي الآن وأعتبرها دليلي للسعادة والأمان في الحياة باذن الله‏.‏ ولقد اعتزمت أن أكتب منذ بداية قصتي معه وأستنصحك‏,‏ ثم رأيت أن أنتظر كما قلت لكي أعرف نهاية قصتي مع شريكي‏..‏ ثم أرويها لك‏..‏ فشكرا علي صبرك علي قراءتها مع تمنياتي الصادقة لكل قرائك بالسعادة والوئام‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
انها ليست نهاية القصة كما تتصورين يا سيدتي‏,‏ وإنما هي بدايتها الحقيقية لأنها بداية سنين مديدة وعديدة بإذن الله من السعادة والحب الصافي والعطف المتبادل والسعي النبيل المشترك إلي تحقيق أهداف الحياة‏,‏ أما ما سبق هذه البداية فقد كان إرهاصاتها التي رشحتكما لهذه البداية السعيدة‏,‏ بكل ما تحملتما خلالها من عناء وصبر وثبات علي اختيار كل منكما للآخر‏,‏ والحب كالذهب يختبر‏,‏ بنار الصبر والاصرار والكفاح فيصفو من شوائبه‏,‏ ويتوهج‏.‏

ولقد أسعدني في رسالتك الجميلة هذه أنك قد استلهمت الحكمة الحقيقية في التمييز بين ما يستحق أن يسعي إليه الانسان ويتحمل العناء من أجله‏,‏ وما لا يستحق أن يبذل قطرات الدم والدموع سعيا وراء سرابه أو اعتقادا بأنه الطريق الوحيد إلي السعادة والزواج‏,‏ كما يقول لنا فضيلة الشيخ محمد الغزالي ـ يرحمه الله ـ ليس عشقا لمفاتن الأنثي أو وسامة الرجل وإنما هو إقامة بيت علي السكينة والآداب العائلية والاجتماعية في إطار من الإيمان بالله والعيش وفقا لتعاليمه‏.‏

فإذا كان الأمر كذلك‏,‏ ونحن نعرف ما لنداء الغريزة من أثر وقوة‏,‏ فهو بكل تأكيد ليس أيضا شركة تجارية يكون معيار التفاضل الوحيد بينها وبين غيرها من الشركات هو مركزها المالي وقيمة أصولها وحجم أرصدتها‏..‏

وأنت حين اخترت الحب والصبر والكفاح‏..‏ واعتمدت في اختيارك علي المعايير الأخلاقية والانسانية والعاطفية بغض النظر عن الموقف المالي لشريك الحياة المنتظر‏,‏ إنما كنت تتبعين تعاليم دينك‏,‏ وتستهدين بهديه في الاختيار والترجيح‏,‏ ويكفيك شرفا وحكمة أنك قد اخترت شريكك في الحياة بنفس المعيار الذي اختارت به السيدة خديجة رضي الله عنها سيد البشر أجمعين صلوات الله وسلامه عليه‏,‏ وهو شرف الأخلاق والسجايا والعاطفة النبيلة‏,‏ وليس شرف المال الذي لا ينكر أحد قيمته‏,‏ لكنه لا يصح أن يكون معيار التفاضل الوحيد بين البشر‏,‏ ولا أن يعلو علي كل القيم الدينية والاخلاقية والعاطفية عند الاختيار‏.‏ ولقد خطب أبوطالب عم النبي السيدة خديجة من ورقة بن نوفل أو من عمها عمرو في رواية أخري‏,‏ فلم يعدد أملاكه أو ضياعه‏,‏ وإنما قال‏:‏ إن محمدا لا يوازن به فتي من قريش إلا رجحه شرفا ونبلا وفضلا‏,‏ فإن كان في المال قل‏,‏ فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة‏!‏

والإمام ابن حزم يروي لنا في كتابه الجميل طوق الحمامة‏,‏ أن أحد الولاة قد جلس إلي اصحابه يتسامرون ذات ليلة فسألهم‏:‏ من أسعد الناس؟ فبادره أحدهم قائلا‏:‏ أنت أيها الوالي‏!..‏ فأجابه‏:‏ وأين ما أكابده من قيادة الجيوش وتنفيذ أوامر الخليفة؟ فقال آخر‏:‏ إذن هو الخليفة‏!‏ فأجابه‏:‏ وأين ما يقاسيه من الثوار الذين يخرجون علي طاعته؟ فسأله أصحابه‏:‏ فمن إذن؟‏..‏ فقال‏:‏ أسعد الناس زوجان في كوخ رزقهما قليل‏,‏ لكنه لا ينقطع يحب أحدهما الآخر‏,‏ قد رضيت به زوجته‏..‏ ورضي هو بها ولا يعرف الوالي ولا يعرفه الوالي‏!‏

ولا عجب في ذلك يا سيدتي‏,‏ لأن السعادة الحقيقية هي الهدف الجوهري الذي يسعي إليه الانسان ويشتريه لو استطاع بأفدح الأثمان‏,‏ ولأن المال والإمكانات المادية لم يسعدا وحدهما أحدا من قبل إذا افتقد في حياته السلام العائلي والحب الصادق والفهم والعطف والحرص المتبادل بين الطرفين علي تيسير الحياة علي كل منهما وإشعاره بالأمان والثقة بالنفس والغد‏.‏ ولقد قرأت ذات يوم كلمة حكيمة للأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار تقول فيها‏:‏ سعيد من يستطيع أن ينظر إلي حقيقة حياته فيرضي عنها‏,‏ وينظر في وجه شريكه في الحياة فيري فيه هذه الحقيقة ويسعد بما رأه‏..‏ فكم إنسانا في الحياة يستطيع أن ينظر إلي حقيقة حياته ويرضي عنها وينظر إلي وجه شريكه في الرحلة فيري فيه هذه الحقيقة ويسعد بها؟‏..‏

وكم من سهام طاشت ولم تصب أهدافها لا لسوء التسديد وإنما لسوء اختيار الأهداف الجوهرية التي ينبغي أن يتوجه إليها المرء بسعيه وجهده وكفاحه من البداية‏..‏ لقد أحسنت اختيار الهدف ياسيدتي‏..‏ ودفعت ثمن حسن الاختيار من سنين الصبر والكفاح‏..‏ فكان عدلا من السماء أن تؤيد حسن اختيارك بالنجاح والتوفيق والسعادة‏..‏ فهنيئا لك كل ما تستحقين من سعادة وأمان‏..‏ وبشري لمن ينتظر بإذن رب العالمين‏


*******************

بنات ابليس من بريد الجمعة

بداية اقسم لك بالله العظيم اني سأتحري الصدق في كل كلمة سيخطها قلمي علي الورق‏,‏ وأرجو ألا يصيبك القرف من حكايتي فتلعنني قبل ان تكمل رسالتي فأنا لعنت نفسي ألف مرة‏.‏

أنا فتاة في الثامنة والعشرين من عمري وأصغر اخوتي الستة‏,‏ انجبني أبي وهو في الستين من عمره ولذلك أسرف كثيرا في تدليلي‏,‏وكان كثيرا ما يقول حين يلومه اخوتي علي تدليلي الزائد‏:‏ أبناء الشيبة يتامي وكأنه كان يقرأ المستقبل‏,‏ فقد فقدته في بداية مرحلة دراستي الثانوية وكانت هزة شديدة عصفت بكياني كله وانطويت علي نفسي ولم يكن لي صديقات علي الإطلاق‏,‏ ولفارق السن بيني وبين اخوتي لم يكن هناك أي تقارب بيني وبين أحد منهم‏,‏ ووضعت همي في المذاكرة حتي حصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير مكنني من الالتحاق بكلية العمر التي حلمت بها‏.‏

وفي الجامعة بدأ الفصل الثاني من حياتي فقد لفت جمالي المبهر وانطوائي الشديد نظر الكثيرين من الصيادين‏,‏ وأوقعني القدر في شباك احدهم وكان مدرسا مساعدا بالكلية وباسم الحب حصل مني علي كل مايريد‏,‏ ولم أفق من سكرة الحب إلا في بداية النصف الثاني من العام الدراسي الأول علي كارثة سفره إلي اليابان للحصول علي الدكتوراه‏,‏ وسافر ياسيدي دون ان يكلف نفسه حتي عناء وداعي وأنا التي صرت زوجته امام الله‏,‏ المهم أفقدتني الصدمة توازني وتلقفتني احدي بنات ابليس من شياطين الإنس‏,‏ وأخذت بيدي إلي أعماق بئر الوحل وصرت محترفة‏,‏ وأغراني المكسب الهائل والعائد المادي الضخم وتزايد رصيد حسابي في البنك علي الاستمرار والمزيد والمزيد‏,‏ ولا أعرف حتي هذه اللحظة كيف من الله علي بالستر فلم تصل أخباري إلي أمي أو احد من اخوتي‏,‏ وطبعا أهملت دراستي وتكرر رسوبي وأنا لا أهتم‏.‏

ومنذ خمس سنوات بدأ الفصل الثالث من حياتي فقد اتصل بي أحد شركائي في شركتنا المدنسة وأعطاني عنوانا لأذهب لقضاء بعض الوقت مع صاحب هذا العنوان‏,‏ وذهبت في الموعد المحدد وطرقت الباب وفتح لي رجل في نحو الخمسين من عمره يتمتع بجسد رياضي وصاحب اقوي وأجمل عينين شاهدتهما في حياتي ومن النظرة الأولي وقعت أسيرة عينيه القويتين المملوءتين بالقوة والحنان والعطف والحزن وبعد انتهاء مهمتي استبقاني الرجل علي غير العادة وطلب مني موعدا ثانيا‏,‏ وفي الموعد الثاني وجدتني أحكي له كل شئ عن حياتي منذ ان وعيت علي الدنيا إلي تلك اللحظة وتعددت مقابلاتي مع الرجل وعرفت عنه كل شئ‏,‏ فهو من اكبر رجال الأعمال في مدينتنا وبالطبع متزوج وله اثنان من الأبناء وثلاث من البنات‏.‏

وبعد شهر من المقابلة الأولي جاءتني المفاجأة الكبري لقد طلب مني الرجل ان أصبح له وحده وان اقطع صلتي بكل من عرفت في الماضي‏,‏ وانه سيعوضني ماديا عن ذلك بأكثر مما كنت اكسب شرط ألا يمسني رجل غيره ولا أخفي عليك يا سيدي انني كنت قد بدأت أحبه‏,‏ نعم أحبه فوافقت علي الفور وان كنت اخشي ان يتعرض لي احد من شركاء السوء في السابق‏,‏ إلا انه طمأنني بأن أحدا لن يستطيع الاقتراب مني‏,‏ وبالفعل عشت معه ياسيدي خمس سنوات كاملة مرت كأنها حلم جميل

وفي خلال هذه المدة فصلت من كليتي العملية لتكرار رسوبي ففوجئت به يسحب ملفي من هذه الكلية ويتقدم به إلي احدي الكليات النظرية المناسبة لمجموعي في الثانوية العامة وكان يدفع مصروفات الدراسة بنفسه ويشتري لي الكتب ويمتنع عن مقابلتي تماما اثناء الامتحانات حتي حصلت بعد أربع سنوات فقط علي الليسانس‏,‏ فإنني ولدهشة جميع افراد اسرتي لم ارسب ولا سنة خلال سنين دراستي‏,‏ والأكثر من ذلك انه قدمني للمحامي الذي يتولي اعمال شركته وهو من اكبر المحامين عندنا وألحقني بالعمل في مكتبه وقيدني في جدول المحامين المزاولين للمهنة تحت التمرين‏.‏

انقلبت حياتي يا سيدي بعد معرفتي بهذا الرجل مائة وثمانين درجة كاملة فقد أعاد لي ثقتي بنفسي واحترامي لذاتي‏,‏ بل اعاد العلاقات التي كانت شبه مقطوعة بيني وبين والدتي واخوتي لتكرار رسوبي في كليتي العملية لما شاهدوا مدي انتظامي في دراستي الجديدة وانتظام مواعيد دخولي وخروجي واصبحت أحس بالأمان وأنا في ظله والاطمئنان النفسي وعدم الخوف من احد أو شئ‏,‏ بل احسست بالنظافة ويا له من شعور رائع ان تشعر المرأة انها لرجل واحد يحبها وتحبه وليس جسدها مستباحا لكل من يدفع الثمن‏.‏

ولا تعجب يا سيدي فقد احبني الرجل وصار اكثر إخلاصا لي من اخلاصي له‏,‏ حقا لقد كان ذلك في الظلام وفي الحرام ولكن بالتأكيد أفضل من حياتي الأولي‏.‏

وقد يجول في خاطرك سؤال يا سيدي وهو‏:‏ مع كل ذلك الحب لماذا لم يتزوجني؟ لقد دار هذا السؤال في خاطري كثيرا وكان الشيطان يوسوس لي بأن سبب عدم اقترانه بي هو احتقاره لي نظرا للماضي المدنس ولكن سرعان ما اطرد هذه الفكرة من رأسي وأرجع ذلك لأسباب اخري منها فارق السن بيننا ومنها خوفه من زوجته شريكته في مشروعاته والتي تنتمي لإحدي أقوي عائلات محافظتنا ثراء ونفوذا‏.‏ المهم عشت يا سيدي خمس سنوات كاملة شاركته فيها فرحه وحزنه‏,‏ انتصاره وهزائمه‏,‏ بل كنت ولا تندهش ياسيدي أسبق زوجته الرسمية في معرفة الأخبار السعيدة في حياته‏.‏

والآن تسألني يا سيدي‏:‏ ما المشكلة؟ لقد بدأت المشكلة منذ نحو أسبوع‏,‏ فقد فوجئت في أحد الأيام بصاحب مكتب المحاماة الذي أعمل به يستدعيني لمكتبه‏,‏ وذهبت لمقابلته‏,‏ وبعد السؤال عن أحوالي وخلافه‏,‏ فوجئت به يسألني‏:‏ هل تعرفين المحاسب فلان؟ وكان هذا المحاسب أحد المستثمرين الشباب‏,‏ والذين يترددون علي مكتبنا لإنجاز بعض الأعمال من عقود وخلافه‏,‏ وكان في نحو الثلاثين من عمره‏,‏ ويتمتع بأدب جم وطموح شديد‏,‏ وبالطبع دهشت للسؤال فاثنيت عليه لأستاذي فابتسم في سعادة‏,‏ وهو يقول إنه قد تقدم لخطبتي منه‏

وطالب منه معرفة رأيي فيه قبل أن أحدد له موعدا مع أمي وأخوتي لزيارتهم وطلب خطبتي رسميا‏,‏ وذلك بعد أن لاحظ مدي التزامي وأخلاقي الحسنة وعائلتي الطيبة بعد السؤال عنهم‏,‏ وأنه ـ أقصد أستاذي ـ يؤيد ذلك الطالب بشدة‏,‏ حيث إن هذا المحاسب يعتبره كابن من أبنائه‏,‏ وهو من عائلة كبيرة‏,‏ وصفاته رائعة‏,‏ في المجمل هو عريس مثالي لا يرفض‏.‏

وأخرستني المفاجأة والجمتني عن الرد‏,‏ ولكني تمالكت نفسي أخيرا‏,‏ وطلبت من أستاذي مهلة للتفكير‏,‏ وخرجت من مكتب الأستاذ والأرض تدور بي فلو تقدم هذا الشاب بالذات لأسرتي فلن استطيع رفضه فلقد نسيت أن أخبرك أنه خلال فترة الخمس سنوات السابقة تقدم لي أكثر من عريس رفضتهم جميعا بشتي الحجج‏,‏ ولكن هذا الشاب لن أجد فيه عيبا واحدا استطيع أن أبني عليه رفضي‏.‏

المهم هاتفت حبيبي وطلبت سرعة مقابلتنا وفي عشنا أخبرته بالأمر‏,‏ ويا الله أني لو عشت مائة سنة قادمة فلن استطيع أن أنسي هذا المنظر‏,‏ هذا الجبل الأشم‏,‏ هذا الهرم الشامخ وهو ينهار فجأة منخرطا في بكاء مرير‏,‏ وهو يحتضنني بشدة‏,‏ وبهذي بكثير من الكلمات لم أتبين منها‏,‏ إلا أن حياته أصبحت مرتبطة ببقائي إلي جواره‏,‏ وأن ذهابي إلي رجل آخر‏,‏ هو إعلان لموته‏,‏ واختلطت دموعه بدموعي‏,‏ وأنا أخبره بصدق أنني لا اتخيل مطلقا نفسي مع رجل آخر‏.‏

ولم نستطع في هذه المقابلة مناقشة الأمر‏,‏ وقبل أن أصل إلي منزلي كان حبيبي يهاتفني ويطلب مني أن أقابله في الغد‏,‏ وفي هذا الموعد يا سيدي تحدثنا وتصارحنا كما لم نتحدث أو نتصارح من قبل‏,‏ وعلمت منه أن السبب الوحيد لعدم اقدامه علي الزواج مني هو خوفه علي من انتقام أهل زوجته المفتريين مني هذا في حالة قبول أخوتي لذلك الزواج وأنه لا ينظر مطلقا إلي فارق السن بيننا أو إلي ماضي الملوث فماضيه أكثر تلويثا مني لأن الرجل الذي يحصل علي متعته بنقوده أكثر دعارة من الأنثي التي تقبض الثمن‏,‏ وفي النهاية طلب مني يا سيدي الاختيار ما بين أمرين كلاهما أمر من الآخر الأول أن نستمر في حياتنا هكذا‏,‏ والثاني أن كنت أريد الزواج والاستقرار فإنه علي استعداد للتقدم لإخوتي وطلب يدي رسميا وإعلان زواجنا للكل‏,‏ ولو كان في ذلك تدميره المهم أن نبقي معا‏.‏

وتركته وعدت إلي المنزل ولم أنم ليلتها من كثرة التفكير فالاختيار الأول سيجعلني أستمر إلي ما لا نهاية في هذا الوضع الشائك‏,‏ وأولا وأخيرا فهو وضع فيه ما فيه من اغضاب المولي عز وجل وخاصة بعد أن جاءت لي فرصة التطهر من كل الآثام والاستقرار والخيار الثاني هل هو الصواب‏,‏ وهل زواجي بحبيبي فيه مصلحته ومصلحتي؟ وهل سيستطيع حقا مواجهة أسرته بخبر زواجنا؟‏,‏ وهل رد الجميل من طرفي لهذا الرجل أن اتسبب في تدمير حياته بالزواج مني؟ ولم استطع الوصول إلي رأي أرتاح له حتي أزف موعد ذهابي إلي المكتب وهناك وجدت في انتظاري مفاجأة أخري أو قل كارثة أخري فقد علمت من الأستاذ أن‏(‏ حبيبي‏)‏ قد أصابته مساء أمس أزمة قلبية حادة وهو عائد إلي منزله‏,‏ ونقل علي أثرها إلي العناية المركزة وحالته حرجة جدا‏.‏

سيدي‏:‏ أنني الآن في مفترق الطرق فأنا لا أخفي عليك حقي في أن أعيش وأتزوج وانجب‏,‏ ولكن حبيبي الذي لم يتحمل قلبه مجرد التفكير في تركي له هل سيتحمل هذا القلب زواجي من سواه؟ لو حدث له شئ فهل استطيع أن أحيا بعدها دون الاحساس بأني قاتلة؟‏.‏




رد الكاتب :

{{‏ سيدتي‏:‏ أتردد كثيرا في نشر مثل هذه القصص‏,‏ التي يصر بطلها علي المعصية‏,‏ لأني أحس أن الكلام معه غير مجد‏,‏ فالحلال بين كما الحرام‏,‏ والانسان الطبيعي عندما يذهب إلي الخطيئة‏,‏ يتمني من داخله أن يبرحها ويدعو الله أن يغفر له‏,‏ أما الذي يربط سعادته وحياته بالاستمرار في خطيئته فلن يلتفت إلي ما يدعوه للطريق الصواب‏.‏

ومع كل ذلك وجدت في حكايتك ما يستحق التوقف لعله يفيد الآخرين‏,‏ كما تلمست رغبات متصارعة في داخلك قد تنقذك مما أنت فيه الآن‏.‏

دعيني أتوقف أولا مع مقولة والدك أبناء الشيبة يتامي تلك الجملة التي دفعته إلي الاسراف في تدليلك‏,‏ وبالتالي انتقلت حالة التدليل من الأب إلي كل الأسرة‏,‏ فهناك فارق كبير بين التدليل والاهتمام‏..‏ والأول هو الذي أفقدك مناعتك مبكرا وأنت مازلت في سنتك الأولي الجامعية‏,‏ فوقعت في شباك مدرسك‏,‏ في غياب أي رقابة أسرية لفتاة في مثل عمرك‏,‏ تغادر مجتمعها الصغير المدلل‏,‏ إلي عالم صاخب يختلط فيه شياطين الانس مع شياطين الأرض‏.‏

استدرجك المدرس باسم الحب‏,‏ وباسمه حصل علي كل ما يريد جملة ترددها البنات بعد فوات الأوان‏,‏ فليس هذا هو الحب‏,‏ وليس باسمه نمنح الآخرين ما يريدون‏,‏ لأن الاصل في الحب هو أن يحصل كل منكما علي ما يريده من الآخر بمظلة شرعية وأخلاقية اسمها الزواج‏,‏ وبدون هذه المظلة‏,‏ ليس له أن يأخذ وليس لك أن تعطي‏,‏ وغير مقبول تلك الصيغ الزائفة بأن تقولي إنك كنت يوما زوجته أمام الله‏.‏

سيدتي‏..‏ بدلا من أن تفيقي من غفلتك وتستغفري الله علي ما فعلت‏,‏ استسلمت لواحدة من بنات إبليس ألم تفكري أنك ستصيرين واحدة منهن؟ ما الذي يدفع بنتا من أسرة طيبة أن تذهب إلي هذا الطريق؟ لم تعد المشكلة هنا في سذاجة فتاة انجرفت إلي الخطيئة باسم الحب‏,‏ ولكن المأساة في فتاة قررت أن تحترف السقوط بمقابل؟ أتدركين إلي أي مستنقع ذهبت وعشت؟ اتدرين ـ لولا ستر الله ـ حجم الفضيحة التي يمكن أن تلم بأهلك؟

ألم تفكري لحظة واحدة ماذا لو سقطت في أيدي بوليس الآداب وألقي بك في السجن؟

سيدتي ها أنت تخرجين من المستنقع ولكن إلي أين؟‏..‏ إلي مستنقع خاص‏,‏ ترين سعادتك الآن مع رجل واحد يحبها وتحبه‏,‏ وليس جسدها مباحا لكل من يدفع الثمن‏..‏ سترك الله ولم تقدري معني وقيمة هذا الستر‏,‏ الذي قد يكون سترا لأسرتك‏..‏ أليس جسدك مباحا لهذا الرجل وهو يدفع لك الثمن؟

ألا ترين أنها نفس الخطيئة ولكنك تبحثين عن مبررات لاستمرارها؟
علي مدي خمس سنوات وأنت ترفضين العرسان بحجج مختلفة‏,‏ ألم يكن لديك مبرر واحد للخروج من هذا الوحل؟

تقولين إنه خشي عليك إن تزوجك من أسرة زوجته‏,‏ أو لم يكن من الأجدي أن يتزوجك سرا طوال هذه المدة؟

سيدتي‏:‏ لا أريد بكلماتي السابقة أن أقسو عليك ـ مع أنك تستحقين القسوة ـ ولكني أتمني أن تري واقعك الذي تعيشينه حتي تتخذي قرارك الصحيح‏.‏

فليس من المعقول ولا المقبول أن ينحاز تفكيرك طول الوقت إلي هذا الرجل‏,‏ صحته‏,‏ أسرته‏,‏ أمواله‏,‏ وأنت أين؟‏..‏ لقد أخذ هذا الرجل كل حقوقه‏,‏ من زوجة وأولاد وثروة‏,‏ ثم امرأة في الحرام‏,‏ مقابل ماذا؟ أنفق عليك في التعليم‏,‏ وهل كانت أسرتك عاجزة عن هذا؟ منحك الحب؟ وهل الزواج كان يعيق هذا؟

تسألينني عن رأيي‏,‏ وأقول لك بدون تردد‏:‏ اقطعي صلتك بهذا الرجل فورا‏..‏ طهري نفسك من الدنس‏,‏ وقدري خطيئتك الكبري‏,‏ واستغفري الله كثيرا‏..‏ فإذا كان صادقا فيما قاله لك فليتقدم إلي أسرتك طالبا الزواج منك‏,‏ فالله أحق بالخشية‏,‏ لا الزوجة والعائلة الكبري‏,‏ أما إذا لم يفعل فلا تقبلي هذا المستثمر الذي يريد الزواج بك‏,‏ لأنك غير أهل لمثله الآن‏,‏ استعيدي نفسك أولا‏

عودي إلي فطرتك وطهارتك‏,‏ وحققي ذاتك في العمل‏,‏ وعندما تشعرين بأنك تلك الفتاة الشريفة التي تستعظم الخطأ‏,‏ وأن الله تاب عليك وغفرلك‏,‏ ولهذا أمارات ستعرفينها في وقتها‏..‏ في تلك اللحظة سيأتيك الانسان المناسب لك‏,‏ غفر الله لك ولنا وتاب علينا جميعا‏.‏