السبت، 6 نوفمبر 2010

الخطة الشيطانية من بريد الجمعة


أرجوك واستحلفك بالله أن تهتم برسالتي فما فيها ليس مشكلة فردية‏,‏ بل إنها مشكلة كثيرين مثلي‏,‏ حيث أعاني بسببها أرقا وقلة نوم حتي أصبحت علي وشك الانهيار من التفكير‏.‏

فأنا ياسيدي بلغت الستين من شهور ومازلت أعمل في وظيفة مرموقة‏,‏ متزوج من سيدة تصغرني بعامين ولي ولدان وبنت‏.‏

لم أكتب إليك شاكيا من زوجتي كما أسمع وأقرأ من أزواج كثيرين‏,‏ ولكن لأعترف أمام الله وأمامكم بحسن عشرتها وطيب معدنها حتي لا أكون ظالما لها من كل ناحية‏.‏

فقد تزوجتها من‏33‏ سنة زواجا تقليديا رأيت فيها الزوجة المناسبة‏,‏ جامعية‏,‏ عاقلة‏,‏ رقيقة‏,‏ طيبة من أسرة مناسبة ــ مقبولة شكلا وموضوعا ــ وافقت بامكانياتي الضعيفة واستطاعت بعقلها وأخلاقها اقناع أهلها بالموافقة ــ وتزوجنا في شقة صغيرة اشتركنا في تأسيسها في حدود الامكانات المتواضعة‏.‏ وكانت سعيدة راضية تجتهد لتسعدني وتهتم بشئوني‏,‏ كنت أعمل في مدينة ساحلية وكنت أسافر لعملي أسبوعين وأعود لبلدتي وزوجتي يومين‏,‏ وهكذا ــ ونظرا لوجودي بعيدا عنها طلبت موافقتي علي عمل دراسات عليا لتترقي في عملها‏,‏ فلم أمانع وشجعتها‏,‏ وبعد عام رزقنا بالطفل الأول وطلبت منها أن تترك الدراسة وتكتفي بالعمل ورعاية الطفل ولكنها تمسكت بدراستها وأقسمت ألا تقصر في واجباتها الأسرية نحوي ونحو الطفل‏.‏

وبالفعل نجحت في الوفاء بالوعد‏,‏ فكانت أكثر نشاطا من النحلة‏,‏ حيث تحملت بمفردها كل أعباء الحياة خارج وداخل المنزل‏,‏ بالاضافة لعملها ودراستها ورعاية أهلي في غيابي بقدر الامكان‏,‏ كما كانت تستعد لأيام اجازتي بكل قوتها وتوفر لي كل أسباب الراحة والسعادة‏,‏ وخلال أربع سنوات رزقنا بالطفل الثاني والبنت الثالثة التي كان قدومها سعدا علينا فقد رشحت للعمل في دولة عربية وحصلت زوجتي علي الماجستير برغم ظروفها القاسية ــ وسافرت للعمل وكنت أحضر لهم مرتين في العام‏

كانت زوجتي في هذه الفترة زوجة وأما مثالية حافظت علي عرضي وبيتي ومالي وأولادي بشهادة الأهل والجيران والمعارف‏,‏ والحمد لله ــ وبعد عودتي من العمل في الخارج اشتريت شقة مناسبة في مكان عملي وأخذت أسرتي لتعيش معي‏,‏ وبدأت أتحمل معها جزءا من مسئوليات الأسرة وانحصرت مساعدتي في مذاكرة الأولاد‏,‏ بينما استمرت هي في تحمل باقي الأعباء خارج وداخل البيت‏,‏ بالاضافة لعملها ودراستها حتي حصلت بتشجيعي ومساعدتي علي الدكتوراه وترقت في عملها وزاد دخلها‏.‏

ولا أنكر أن زوجتي كانت دائما كريمة وسخية في مشاعرها وحبها وتعمل علي راحتنا وسعادتنا‏,‏ ولا تفكر في نفسها ــ في الوقت الذي كنت بخيلا في مشاعري نحوها ونحو أولادي‏,‏ فلا أتذكر طوال سنوات زواجنا أن قلت لها كلمة حب واحدة‏,‏ ولكنني كنت أقوم بكل واجباتي الزوجية والأسرية‏,‏ اعتقادا بأن كلمات الحب من الرجل هي الضعف بعينه‏.‏

أعترف أمام الله وأمامكم بأنها كانت ومازالت مثالية في كل شئ‏,‏ طيبة وحنون لم تعص لي أمرا‏,‏ ولم تسئ لي بالقول أو العمل‏,‏ ولم تقصر في واجباتها‏,‏ ولم تكن تطلب مني شيئا لنفسها‏,‏ بل راضية دائما بما أجود به‏,‏ كانت حريصة علي أموالي وتوصيني بالمحافظة علي ما رزقنا الله من أجل الأولاد‏..‏ الذين كبروا وتخرجوا في الجامعة وتزوج الولدان‏,‏ والبنت علي وشك الزواج‏.‏

وبرغم عمرها الآن إلا أنها مازالت بصحة جيدة وبنفس النشاط والحيوية والعطاء ومشاعر الحب والود كما كانت في شبابها‏..‏

تسأل أين المشكلة إذن‏..‏؟

بعدما وصلت سن المعاش حصلت علي مكافأة كبيرة ومستحقات متراكمة‏,‏ بالاضافة إلي ما بقي من مدخرات بعد زواج الأبناء ــ وجلست مع بعض زملاء العمل في مثل سني والأصدقاء نفكر في حالنا بعد سنوات من المعاش وخاصة بعد وفاة الزوجة‏..‏ نسمع ونقرأ ونري عن معاناة الأزواج الذين ماتت زوجاتهم ولم يجدوا من يرعاهم ويهتم بشئونهم ولم يتحملهم الأبناء ويعيشون مأساة كبيرة‏.‏

لذلك وبلا مقدمات أكثر فكرت وقررت أن أتزوج من أخري وأنا مازلت أتمتع بالصحة‏,‏ ولدي من المال ما يجعلني قادرا‏,‏ حتي إذا ماتت زوجتي أم أولادي أجد من تهتم بي وتعيش معي ــ أليس هذا حقي الذي شرعه الله وحلل لمثلي الزواج مرة أخري تأمينا للسنوات المقبلة ــ لأنني إذا انتظرت حتي تموت زوجتي قد لا أجد من تقبلني في مثل عمري‏.‏

وللأسف الشديد بدأت أفكر وأخطط لذلك بدقة ــ بدأت بتصيد الأخطاء لزوجتي المسكينة المخدوعة وأهول من أي تصرف عادي أو كلمة عابرة‏,‏ وأغضب وأثور عليها وأخاصمها ولا أكلمها أو أجلس معها ــ وأصبحت كثير الخروج والغياب عن البيت بلا أسباب وأتركها وحيدة‏,‏ وعندما تسألني عن السبب لأنها لم تتعود خروجي كثيرا أغضب وأرد عليها بكلمات قاسية وجارحة وأقول لها كفي‏33‏ سنة زواجا وانه حان الوقت لأخذ حريتي‏,‏ لأن المحكوم عليه بالمؤبد يخرج بعد ثلاثة أرباع المدة‏..‏ فتنظر لي بانكسار وحزن ودموع في عينيها وتقول سامحك الله وتتركني وتدخل لحجرة الأولاد تبكي دون أن يتحرك ساكن أو ضمير لي‏.‏

ومازلت أستمر في هذه المعاملة لها ولا أتردد في ظلمي وجرحي لها‏..‏ بينما هي تقوم بواجباتها المعتادة وتنتظرني حتي أحضر لنتناول معا طعام الغداء‏,‏ ولكني أرفض لأنني أكلت خارج البيت‏,‏ فتقوم هي الأخري ولا تأكل حتي شحب وجهها من قلة الأكل ومن سوء معاملتي‏.‏

والآن تعرفت علي فتاة فاتها قطار الزواج أراها مناسبة ووافقت علي الارتباط بي‏,‏ ولكن اشترطت أن أنفصل عن زوجتي أم أولادي‏..‏ وهذه هي المشكلة‏..‏

زوجتي تشعر بما أدبر وأخطط ولكنها لا تجرؤ علي سؤالي لأنها تحبني وتخاف من غضبي عليها‏..‏ ورغم ما تعانيه مني إلا أنها لا تقصر في أي واجب نحو البيت ونحو شئوني‏...‏

لا أعرف ماذا أفعل هل أواجهها صراحة برغبتي في الزواج بأخري وأوضح لها وجهة نظري في ذلك‏..‏


أم أخفي ذلك وأنفذه في السر وليكن مايكون وليس لها عندي شئ‏.‏

ولكن إذا عرفت ستبلغ الأولاد وسوف يتعاطفون معها بقدر حبهم لها وسيأخذون مني موقفا ــ وهم أيضا ليس لهم عندي شئ‏,‏ لقد تعلموا وتزوجوا وأصبح لكل حياته الخاصة ــ وهذه حياتي أخططها وفقا لاحتياجاتي ووجهة نظري‏.‏ أليس حقي؟‏!‏

سيدي‏..‏ أرجو أن تناقش هذا الأمر علي الملأ ليقرأه زملائي وأصدقائي الذين اقنعوني وأقنعوا أنفسهم بأن الزواج الثاني أو الثالث ليس محرما طالما هناك إمكانية صحية ومادية لذلك‏.‏

كما أرجوك أن تناشد زوجتي وأم أولادي ألاتغدق علي بالحب والعطف والمودة حتي لا أتردد عن تنفيذ خطتي الشيطانية في الزواج عليها ــ وأرجو أن ترد علي مشكلتي قبل أن يهدم البيت علي رءوس من فيه‏.‏



رد الكاتب :

{‏ سيدي‏..‏ لا أخفيك سرا اني شككت في انك كاتب هذه الرسالة‏,‏ وطاردني إحساس منطقي بأن زوجتك هي كاتبتها‏,‏ واختارت هذه الفكرة حتي يصلك الرد أنت ومن يفكر بمثل هذه الطريقة‏,‏ التي لاتتلاءم أبدا مع عمرك وعمق تجربتك في الحياة‏,‏ ولكن ليس أمامي إلا التسليم بأنك كاتب الرسالة‏,‏ خاصة أنها ممهورة باسمك‏,‏ وإن فضلت حذفه حفاظا علي صورتك أمام أبنائك وجيرانك وأصدقائك‏,‏ وحماية لمشاعر زوجتك تلك الانسانة الرائعة‏,‏ التي لو قررت أن تصف نفسها بكل ماهو جميل ورائع ــ كما جاء في رسالتك ــ فستعجز وتخجل من ذلك‏.‏

سيدي‏..‏ ماذا تريد أن أقول لك؟‏..‏ تعيش مع امرأة قضت حياتها وهي تعطي‏,‏ قبلت الزواج بك بامكاناتك المحدودة‏,‏ وتحملت غيابك عنها في بداية الزواج‏,‏ فكانت تراك أربعة أيام في الشهر‏,‏ ثم صارت تراك أياما في كل عام‏..‏ وبشهادتك‏,‏ حفظت عرضك وبيتك ومالك‏,‏ ربت أولادك‏,‏ كما يحلم أي أب يعيش مع أبنائه‏,‏ أكملت تعليمها‏,‏ وأسهمت بكل ذرة في كيانها لإنجاح هذه الأسرة في الوقت الذي كنت بخيلا في مشاعرك تجاهها وتجاه أولادك‏.‏

زرعت الحصرم ياسيدي وجنيت العنب بفضل هذه الزوجة العظيمة‏,‏ التي لم تلفظك من حياتها‏,‏ ولم تؤلب عليك أولادك‏,‏ بل علمتهم كيف يحبونك ويحترمونك في حضورك‏,‏ كما في غيابك‏..‏

سيدي‏..‏ كثيرا ما أتلقي خطابات من زوجات يعشن سنوات عمرهن مع أزواج مثلك‏,‏ يبخلون بمشاعرهم‏,‏ وبأي كلمة حب‏,‏ ويتحملن حتي يكبر الأبناء ويتزوجون‏,‏ وبعدها تنفجر الزوجة وتفكر في الهروب من مثل هذا الزوج‏,‏ ولكن ــ سبحان الله ــ زوجتك المثالية لاقت منك ما لاقته‏,‏ وتحملت ما تحملته ومع ذلك‏,‏ كل ما تفكر فيه هو إسعادك وراحتك‏,‏ وأنت تفكر كيف تتخلص منها حتي تؤمن ما تبقي من عمر مع زوجة صغيرة في السن‏,‏ تعينك علي الشيخوخة‏!!‏

تفكير مختل وقاصر‏,‏ إذا كان هو تفكيرك أنت وأصحابك‏,‏ يعكس حالة من عدم الايمان والجهل بأبسط أمور الدين وأحكام القدر‏,‏ فمن أدراك ياسيدي ــ بارك الله في عمرك ــ أنك لن تموت قبلها‏,‏ هل لديك أنت وأصدقائك معلومات عن آجالكم والله سبحانه وتعالي هو القائل‏:‏ إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة‏,‏ ولا يستقدمون‏,‏ وما تدري نفس بأي أرض تموت صدق الله العظيم‏.‏

ماذا لو جاءك ملك الموت قبلها‏,‏ هل تريد أن تغتال كل هذا الحب في قلب زوجتك وأولادك‏,‏ وتغرس بدلا منه مرارة وندما علي ما منحوه لك؟ هل تريد التفريط بكل سهولة في دعائهم لك وتصدقهم عليك‏,‏ لتستبدله في أقل الاحتمالات بجملة حزينة ربنا يسامحه‏.‏

سيدي‏..‏ اغفر لي تجاوزي في مواجهتك بخطورة ماتفكر فيه أنت وغيرك‏,‏ فليس لما تفكر فيه أنت وصحبك شرع تعدد الزوجات‏.‏ لذلك دعني أسألك فرضا‏,‏ لو تزوجت بالزوجة الثانية الصغيرة‏,‏ ثم اعتل الجسد‏,‏ وحاصرتك أمراض الشيخوخة‏,‏ من ستجد بجوارك؟ هل ستبقي تلك الزوجة التي جاءت تحصد ثمار لم تغرسها‏,‏ هدفها منك المال والورث؟ هل سترعاك طائعة أم طامعة؟ هذا إذا استمرت في الحياة معك؟

صدقني لن تجد بجوارك إلا شريكة العمر الصعب وأبناءك البررة‏,‏ فلا تسلم أذنيك لوساوس الشيطان‏,‏ واستغل فرصة اعترافك بقيمة وقدر وعطاء هذه السيدة‏,‏ واعتذر لها عما بدر منك‏,‏ وعن حرمانك لها من الكلمة الطيبة‏.‏ لاتخجل من الاعتراف بخطئك ولا من التصريح لها بامتنانك لما فعلته معك ومن أجلك‏..‏ قل لها إنك لم تحب غيرها‏,‏ ولكنك فهمت خطأ ــ مثل غيرك من الرجال ــ أن الاعتراف والقول بالحب ضعف‏.‏ فالظلم والقسوة ونكران الجميل هم قمة الظلم والضعف والعجز فلا تقبل أن تلصق بك كل هذه الصفات‏,‏ واستمتع بكل ما تبقي لكما من عمر ــ وهو طويل بإذنه تعالي ــ ولا تفرط في الثروة التي في بيتك‏,‏ بحثا عن وهم في خرابة‏.‏

حفظكما الله وظلل بيتكما بالمحبة والسكينة لتمتد وينعم بها أبناؤكما‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق