السبت، 6 نوفمبر 2010

الحب بعد الرحيل من بريد الجمعة

سيدي قد تندهش إذا علمت انني قرأت رسالة الثمن القاسي التي تعترف فيها كاتبتها بأنها ظلمت زوجها ظلما بينا وهو يحاول ان يدافع عن نفسه‏,‏ وكذلك قرأت ردود اصدقاء البريد اكثر من‏100‏ مرة‏,‏ وهذا الرقم ليس مبالغا فيه لكنها الحقيقة‏.‏

اما عن سر قراءتي للرسالة كل هذا العدد من المرات هو اني احسد تلك السيدة علي ما ابتلاها به الله من مرض عضال ليكفر به عما اقترفته من ذنوب في حق زوجها‏,‏ الذي طلقها وظل كريما معها بعد مرضها اما أنا فقد تشابهت قصتي معها لأقصي درجة وكأنها تتحدث عني مع بعض الاختلافات البسيطة‏,‏ فأنا أقنعت نفسي بأني كرهت زوجي لنفس الأسباب الواهية التي ذكرتها هذه السيدة وما زاد من الأمر معي سوءا ان لي‏4‏ صديقات من أيام الطفولة يعشن حياة غير سعيدة و‏3‏ منهن مطلقات وكنت التقي بهن فيحسدونني علي ما انا فيه من نعمة مع زوجي ولا يظهرن ذلك بل ويزدن النار اشتعالا بلا سبب‏.‏

اما زوجي فتجتمع فيه كل الصفات الطيبة التي في الدنيا‏,‏ فهو حسن العشرة والحديث ويحبني وأنا كمان حبا لايقدر‏.‏

المهم انني كرهته فلجأ إلي أبي وأمي فضغطا علي كي تستمر الحياة من اجل ابنائي واستمررت معه جسدا بلا روح‏,‏ فكان يبعث لي بكل ألوان الحب والغرام‏,‏ وكان يغدق علي بالهدايا وانا لايعجبني ما يحضره‏,‏ فوض امره لله فيما ألبسه من ملابس ولم يعد يحاول‏,‏ إقناعي بارتداء الملابس المحتشمة فكنت أتمادي في تصرفاتي‏.‏

نعم أقنعت نفسي بأنني اضحي من أجل أولادي ويجب ان اتحمل‏,‏ اما هو فكان بداخله ألم مكتوم لايظهره لأحد بل يتظاهر بأنه في قمة السعادة امام الناس وامامي‏,‏ أما في نفسه فهو تعيس لم يعد ذلك الشخص الباسم الضاحك‏,‏ بل كان متألما ولا يظهر لأحد بل استمر علي حبه لي ولا تسألني لماذا كرهته فلا يوجد به عيب جوهري انما هو بعدي عن الله فلم اكن أصلي وارتدي المايوه والملابس المكشوفة واتعامل مع زملائي بشئ من الانفتاح والتحرر‏,‏ وهو يراقب كل هذا ويتألم وصامت وكان دائما يحثني علي الصلاة وأنا أرفض ان أصلي عنادا وتكبرا‏,‏ وكان دائما يقول لي لن تعرفي قيمتي إلا بعد موتي فكنت اسخر منه ولا ألتفت إلي ما يقوله بل لم اكن افكر فيه‏.‏

حتي كان يوم وهو في الثامنة والثلاثين شاب رياضي متدين علي قدر من الوسامة عاد إلي المنزل قبلي وكان ابني الأكبر في المنزل وكان يبلغ من العمر‏13‏ سنة ففوجئت به يخبرني بالهاتف ان والده مريض ولا يتكلم‏,‏ المهم غادرت عملي وجريت إلي المنزل فوجدته في حالة يرثي لها فاتصلت بالإسعاف لنقله إلي المستشفي إلا انه طلب مني ان أساعده علي الوضوء وصلي ركعتين‏,‏ لله ثم قال لي انه احبني اكثر من نفسه وانه تحمل ما فعلته معه لأنه يحبني ولم يرد ان ينشأ الأولاد في منزل مشتت الفكر وانه تحمل علي حساب كرامته واعصابه مما حمله فوق طاقته‏,‏ إلا انه مسامحني ونطق الشهادة واسلم وجهه له وتتوالي أمام عيني المشاهد وهو في كفنه وينزل إلي قبره وأنا أصبحت وحيدة في الدنيا دونه‏.‏

اكتشفت انني كنت احبه فعلا‏,‏ اكتشفت ان الحياة من غيره لا تطاق لم اعتذر له ولم تواتني الفرصة لأكفر عن ذنبي تجاهه‏,‏ أموت كل يوم علي ما فعلته معه‏,‏ اتذكر وجهه وهو يتألم مني‏,‏ اتذكر دموعه وهو يبكي ويقول لي ان ارحم عذابه‏,‏ اشعر بأنني قتلته‏,‏ لهذا احسد هذه السيدة التي ابتلاها الله بالمرض ليكفر عنها‏,‏ وأرجو من هذا الزوج الشهم ان يسامحها ولا يتركها تتعذب مثلي كل يوم ألف مرة ان كل ما اتمناه حاليا ان أري زوجي لأخبره انني آسفة ونادمة وانني أحببته‏,‏ لقد كنت اسخر من روايات الحب والغرام ولا اصدق بوجود الحب ولم اشعر به في حياتي إلا بعد ان فقدت من احبني نعم احبه حتي الآن ونادمة علي ما فعلته معه سامحني يا ربي‏.



رد الكاتب :

*‏ سيدتي كم كنت شقية ومعذبة‏,‏ فما اقسي ان نعيش مع إحساس دائم بالندم وبدون أي فرصة للتراجع أو الاعتذار‏,‏ غلبتك أنانيتك والأنانية كريح الصحراء تجفف كل شئ في طريقها‏,‏ فجفت مشاعرك ولم تدعك تستقبلين امطار الحب من زوجك‏,‏ متعالية غاضبة منه لأنه يغدق عليك بحبه مستسلمة لنار صديقاتك اللاتي استكثرن عليك هذا الرجل وحسدنك عليه‏,‏ وبدلا من ان تحمدي الله علي انه رزقك بمثل هذا الزوج تمردت عليه وطاردت سعادته‏,‏ فالسعادة يا عزيزتي تولد من حب الغير والشقاء من حب الذات‏.‏

اكتشفت بعد فوات الأوان انك تحبينه هذا لأنك لم تعرفي ـ في حياته ـ ما هو الحب‏,‏ فكثيرون يعتقدون انه لا حب بدون عذاب ولوعة‏,‏ فيما الحب الحقيقي هو هذا الإحساس الدافئ بالأمان والرحمة والمودة هو سكون القلب لا اضطرابه‏,‏ هو مراعاة الأدب مع من أحبنا ولكننا للأسف نضحي بمن يرفق بنا وبمشاعرنا فتحملا قسوتنا وغيابنا حبا لا ضعفا‏.‏

سيدتي رسالتك علي الرغم من ألمها إلا انها فرصة كي يلتفت كل إنسان ـ رجلا أو امرأة ـ حوله ليسأل نفسه هل يعطي شريك حياته من وقته ومشاعره ما يستحقه؟ يفكر فيما يمنحه له الطرف الآخر من اهتمام ورعاية ومحبة وماذا سيكون حاله لو غاب عنه؟ ان الحياة قصيرة مهما يطل العمر‏,‏ والفرصة مازالت قائمة لنقول لشركائنا في الحياة اننا نحبهم ونعتذر لهم عما بدر منا تجاههم‏.‏

أما انت يا سيدتي فهوني عن نفسك حتي لايقتلك تأنيب الضمير‏,‏ فقد سامحك زوجك ـ رحمه الله وغفر له ـ قبل الرحيل وهذه نهاية كريمة لرجل مثله امتلك هذا القلب الذهبي وان كان كرمه هذا قد زاد في عذابك إلا انه لا يمكن ان يكون بداية جديدة لك‏,‏ والبداية هي التوبة‏,‏ نعم التوبة إلي الله لأنك اخطأت في حقه سبحانه وتعالي وانت أخطأت في حق زوجك بسلوكك وكلماتك‏,‏ توبي إلي الله لأننا إذا لم نستطع ان نتوب فلن نستطيع ان نسامح كما قال الشاعر العظيم دانتي‏.‏

فسامحي نفسك وكفري عن اساءاتك في حق زوجك الراحل بحسن تربية ابنائك وتحدثي اليهم عن صفات والدهم الجميلة تصدقي عليه وصلي أهله‏,‏ فالبكاء الآن يا سيدتي لن يجدي فحولي طاقة حزنك إلي محبة وعطاء وسماح وسيعينك الله علي ما أنت فيه‏


********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق