القلب المحفور
انا ياسيدى شاب اقترب من الأربعين تخرجت فى معهد عال منذ حوالى 17 عاما وتخصصت فى احد المجالات الضرورية للعمل الفنى لكن صاحبها يبقى معظم حياته فى الظل شهرة ولا يحفظ الناس اسمه وحين كنت فى السنة الثانية بالمعهد .. ارتبطت عاطفيا بزميلة لى شدنى اليها صفاؤها..
وجمعت بيننا الظروف المتشابهة فلقد كانت مثلى مقطوعة من شجرة كما يقولون يتمية الأب تعيش مع أمها فى احدى المدن القريبة من القاهرة على معاش صغير بلا اخوة ولا اعمام او خالات، وليس لها سوى اقارب بعيدين صلتها بهم شبه منقطعة.. وكنت يتيم الأوبين لى شقيقتان فرقت الدينا بينى وبينهما فاحداهما تزوجت وعاشت فى البحر الأحمر والأخرى تزوجت واستقرت مع زوجها فى سوهاج فى بيت الأسرة.. وجئت انا الى القاهرة الكبيرة لألتحق بالمعهد .. معتمدا على ما تبقى من معاش أبى، وأقمت فى السرايات فى احد اليبوت التى تقبل سكنى الطلبة وفى هذه الظروف التقينا .. هىتقيم فى بيت الطالبات يلتهم كعظم معاشها وانا اقيم فى غرفة مفروشة تلتهم معظم معاشى.. وبادافع من الوحدة.. والتماس الصحبة كنت امضى معظم يومى فى المعهد ادرس واقرأ .. واتكلم مع زملائى وزميلاتى .. وكانت هى مثلى تمضى معظم نهارها فيه واقترب كل منا من الآخر.. ووجد فيه عزاؤه عن غربته ووحدته.. وذات يوم كنا نشاهد بروفة مسرحية كجزء من دراستنا فى احد المسارخ وسط المدينة .. وكنت جائعا فتسللت من المسرح لأذهب الى محل للفول مواجه له.. فوجدتها فيه تأكل الساندوتس.. فشاركتها المائدة وطلبت طعامى.. وبعد انتهائه طلبت منى ان اوصلها الى بيت الطالبات لأن الوقت تأخر بها.. وانحشرنا فى الاتوبيس الى الجيزة وعندما صافحتنى مودعة استبقيت يدها فى يدى وسألتها سؤالا واحدا هل: هل مأحس به تجهاها هو نفس ما تحس به نحوى؟ فأومأت بررأسها نعم.. ثم انفلتت جارية الى مسكنها .. ووقت أنا مذهولا منالسعادة لحظات قبل ان استدير عائدا الى مسكنى.. كنا ايامها فى السنة الثالثة بالمعهد فأصبحت أصحو مبكرا لأذهب الى ميدان الجيزة سيرا على الاقدام وأق على محطة الأوتوبيس القريبة من بيت الطالبات حتى تجىء ثم نركب معا الى المعهد .. فتمضى اليوم كله معا ثم نعود الى ميدان الجيزة فأودعها وأسير انا الى غرفتى فى بين السرايات وهكذا كل يوم نذهب معا ونشارك فى نشاط المعهد معا.. ونذاكر معا فى حديقة الأورمان .. او نشاهد تجارب الفرق المسرحية والندوات معا، وقد عرف كل الزملاء ارتباطنا واحترموا علاقتنا التى توجناها بالخطبة فسافرت الى بلدتها فى عطلة نهاية الأسبوع والتقيت بأمها وطلبت يدها منها.. وقدمت لها دبلة الخطبة وعدنا سعيدين الى دراستنا.
وتخرجنا معا فى يوم واحد .. وجاءنا تعيين القوى العاملة بعد شهور فأنقذنا من الضياع.. فعينت هى فى وظيفة صغيرة بأحد قصور الثقافة .. وعينت انا فى وظيفة اصغر بأحد اجهزة الثقافة، وبدأنا نستعد لبناء عشنا.. بلا سلاح سوى مرتبينا الصغيرين.
وفى هذه الفترة مارست اعمالا كثيرة لكى اجمع بعض المال لأستئجار شقة.. فكنت اطوف على مكاتب الاعلان لأعرض عليهم كتابة الاهلانات الضخمة التى تعلق فى الشوارع لأنى اجيد كتابة الخط والرسم الى حد ما.. وكنت اجد فرصة احيانا فأحمل جردل اللون والفرشة الضخمة وارسم واكتب مقابل جنيهات. وكانت هى تخرج من عملها تبحث عنى فى شوارع القاهرة فتجدنى مرة فى شارع رمسيس ومرة فى الهرم واقفا امام لوحة اعلانات.. فتأتى لى بساندوتشات افول والطعمية .. ثم تحمل الى الأدوات وأنا على السلم وتشاركنى الكتابة والرسم الى ان ينقضى النهار ونعود سعداء بالجنيهات التى اعطاها لنا المعلم.. ثم جاءت انتخابات عامة اشتد الطلب شفيها على الخطاطين لكتابة لوحات الدعاية.. فأمضينا ليالى عديدة ساهرين فى ميدان الجيزة نكتب اللافتات ونسلمها لأصحابها.. وبعد ان انتهت الانتخابات كان معنا ما يكفى لاستئجار شقة متواضعة بالدور الأرضى فى بيت شبه ريفى من بيوت الهرم فى ذلك الوقت ورغم تواضعها فلقد فرحنا بها فرحة العمر.. وأسرعنا ننقل ملابسنا اليها ونشترى "اثاثا" .. وكان أثاثا عجيبا بحق.. لكننا فرحنا به ورأينا فيه رياشا فاخرا.. فبروحها الساخرة الصافية نزلنا الى احد محلات الكليم فى الجيزة واشترينا 3 قطع من الكليم الملون ووسادتين وبطانية وبعض ادوات المطبخ "وسبرتاية" وعدنا للشقة.. فراحت "تفرشها" تفرش كليما فى غرفة خالية وتقول هذه غرفة النوم.. وكليما فى غرفة اخرى وتقول هذه هى غرفة المعيشة.. وكليما فى غرفة الصالة وتقول هنا الأنتريه.. أما الغرفة الثالثة فتركتها خالية للمستقبل! وحددنا ويم عقد القران والزفاف واستدعينا أمها.. وأرسلت اتسدعى شقيقتى ثم اذعنا بين الاصدقاء وزملاء الدفعة موعد القران.. وكان بعضهم قد بدأ يعرف طريق الشهرة والمال.. فى عالم المسرح والفن فجاءوا جميعا يحمل كل منهم شيئا للبيت او الحفل.. بل جاء احدهم وكان من اقرب الاصدقاء الى قلبى يحمل معه "ترابيزة" كبيرة من بيته قال انه لا يحتاج اليها.. وآخر جاء ومعه دستة فناجين وبراد شاى وثال معه شارئط زينة وبالونات قام بتعليقها فى الشقة ورابع جاء ومعه دستتان من المقاعد المؤجرة من محل فراشة قريب.. وهكذا وبعد انصراف المأذون .. بدأ الزملاء يقيمون لى زفة وحفل زفاف استمر حتى الصباح.. أقسم لك انه لو اراد مليونير ان يقيمه لابنته الآن لتكلف عشرات الألوف لأن مطربيه ونجومه أصبحوا الآن من المشاهير! الذين يتقاضون الألوف!
المهم بدأنا حياتنا الزوجية سعداء وليس فى غرفة نومنا سوى كليم ووسادة وبطامية وبدأنا نشترى قطع الأثاث قطعة قطعة.. وبدأت هى تفصل الستائر وتعيد طلاء الشقة وخلال 3 اعوام كان لدينا شقة مقبولة من كل الوجوه,
وبدأت أنا انجح فى عملى ويزيد رزقى .. فأعطيه كله لفتاتى تتصرف فيه بحكمة.. وبعد 5 اعوام من الزواج نجحت فى استئجار شقة حديثة من 3 غرف فىالهرم ايضا ولكن على وش الدنيا انتقلنا اليها "بزفة" اخرى من الزملاء والأصدقاء .. واصبح لنا اثاث معقول.. وأصبحت لى غرفة مكتب ومائدة رسم أعمل عليها فى البيت.. اما هى فقد زادت جمالا وتوردا واصبحت اكثر حبا للناس وللحياة.. وقد الحت على امها لتعيش معنا فأصبحت تمضى معنا بعض شهور السنة وهى سيدة طيبة كأبنتها من هذا النوع الذى لا يكره احدا، وكلما اهديت لزوجتى فستانا او بلوزة جميلة.. فرحت بها ثم ارتدتها مختالة لفترة.. وبعد ذلك اراها بالصدفة على بنت البواب .. او ابنة المكوجى او اى فتاة تتعامل معها.. فاذا سألتها قالت لى ببساطة ان الصوب "يدعو" لصاحبه وهو على جسم غيره حتى يذوب آخر خيط فيه.. وأنها توزع كل ملابسى القديمة وملابسها ايضا لطلب الدعاء ..لكى بحفظ الله لنا سعادتنا وصحتنا، واسمع ذلك فأزداد حب لها وأفهم ساعتها سر خلو دولابى من كل ملابسى وملابسها التى لم يمض اكثر من عام اة عامين على شرائها وأضحك حين تذكرنى اذا ناقشتها فى ذلك بكفاحنا او عندما تقول لى هل تريد لغيرم ان يكون وحيد "البطلون والبلوفر" او وحيدة " الفستان" كما كنا فى شبابنا؟!
لقد زادتها النعمة صفاء على صفاء وحبا للدنيا والناس.. وحين عرضت عليها ذات يوم ان تستقيل من عملها وتتفرغ للبيت رحبت بذلك استجابة لطلبى وقالت لى انه ليس لها اى طموح سوى ان تسعدنى وتسعد معى بقية أيام حياتناـ وفعلا استقالت غير نادمة وزادت حياتى بهجة بتنظيم امورى وعملى الذى توسع بعد ان تعاملات مع المخلات التجارية واصبحت مصمم ومنفذ ديكور مكلوبا فى السوق.. وأصبحت هى تشاركنى فى عملى.. فترسم وتصمم وتشارك فى التنفيذ.. وذوقها ممتاز ودائما استشيرها فى اعمالى..
ثم نأتى الى المشكلة .. وهل تخلو حياتى من مشاكل ياصديقى كما تقول دائما؟
ان المشكلة التى لابد انك فهمتها هى أننا مازلنا بعد 14 عاما من الزواج "عروسين" نتبادل الحب والاخلاص والاحترام ولكننا وحيدان تماما بلا أطفال وبلا امل فيهم! فلقد شغلنا بحبنا وسعادتنا وكفاحنا خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج فلم نلتفت الى اننا لم نرزق أطفالا.. ثم بعد ان استقرت احوالنا المادية وانتقلنا الى الشقة الجميلة بدأنا نواجه تساؤلات الأصدقاء لكنى لم اكن قلقا بسب ذلك.. حتى لاحظت ان زوجتى قد بدأت تشرد احيانا بعيدة عنى .. وحين سألنها صارحتنى بأنها قد فحصت نفسها وان الطبيب قد قال لها انه لا امل فى الانجاب.. وصدقنى انى لم اهتز لذلك.. وقد وجدت فيها الأم والزوجة والابنة والابن ولست احتاج معها الى شىء آخر.. مادامت هذه هذه ارادة الله. ونسيت الأمر كله .. حتى جاء يوم وجدت بالصدفة فى دولابها فستانا واسعا من الفساتين التى ترديها الحوامل .. لم تكن قد اشارت اليه معى من قبل .. فأدركت انها تحن الى ان تكون ككل الزوجات حاملا وان ترتدى هذا الفستان الواسع لكى تختال به.. وادركت عمق المشكلة لديها وحزنت لذلك التخفيف عنها بانتهاز الفرص لكى اقول لها فى كل حين اننى سعيد بحاتى معها وان نشأتى كطفل وحيد يتيم قد نفرتنى من الأطفال .. واننى لا أطيق "دوشتهم" ومشاكلهم.. الخ فتمعنى باهتمام وشك كأنها لا تصدقنى .. ثم تبتسم وتقبلنى وتقلولى ساهمة: ظننت انك تحب الأطفال وتريدهم! فأقسم لها على عكس ذلك.. ثم ننسى الموضع كله الى ان تأتى مناسبة أخرى وهكذا.. ولقد جاءت المناسبة هذه المرة على غير قصد منى .. اذ كنت استعد لركوب سيارتى من امام بيتى فوجدت مجموعة من اطفال العمارة يلهون حول السيارة وفوقها.. فداعبتهم وداعبتهم هىمعى ثم دعتهم زوجتى للركوب معنا فى جولة حول العمارة فركبوا متصايحين وانحشروا فى السيارة وطلبت منى التجول بهم قليلا وهى تضحك وتلاعبهم وبعد ان انزلناهم وواصنا طريقنا كانت سعيدة ضاحكة .. لكنها بددت سعادتى فجأة باقتراح غريب، فهل تدرى ماذا اقترحت على زوجتى؟ لقد قالت لى انها لا تريد من الدنيا سوى سعادتى.. وأنها تأكدت من حبى للآطفال من خلال ملاحظات عديدة وأنها لا تريد حرمانى من شىء اريده بسببها.. لذلك فهى تقترح على ان اتزوج زوجة اخرى لأنجب منها طفلا يحقق رغبتى .. على ان نستمر فى حياتنا الزوجية السعيدة معا! ظننتها تمزح.. لكنها اكدت لى انها جادة، وعادت الى نفس الحديث بعد ايام بجدية تامة مؤكدة لى انه من الأفضل لها ان يتم ذلك بموافقتها بدلا من ان يتم فى الخفاء بعيدا عنها.. وانها لن تحس بأى غضاضة فى ذلك لأن ما يهمها هو سعادتى .. كما ان امكانياتى الآن تسمح لى بفتح بيت آخر وحبذا لو كان قريبا من مسكننا لكيلا أتشتت بينهما.. وأن كل ما تطلبه منى هو ان اكون عادلا بين الحياتين والبيتين!
لقد رفضت هذا الاقتراح لكنه أزعجنى.. لأنه كشف لى عن عمق المشكلة.. ولم اعد الى الحديث فيه ممن جديد.. حتى اثارته منذ ايام وطالبتنى بالتفكير فيه بجدية وحين رفضت شارحا أسبابى أصرت.. حتى اقترحت عليها تخلصا منالموقف ان نحكمك بيننا وهانذا افعل ..واطلبك با، تقول رأيك بصراحة.. مع العلم بأنى لا اشعر بحاجتى الى الأطفال وقد اعطتنى الحياة هذه الشريكة المحبة.. وهذا النجاح .. وهذه السعدة حتى لقد استعرضت معها احوال بعض زملاء الدراسة القدامى الذين اصبحوا من المشاهير الآن، وبعضهم انعم الله عليهم بالانجاب لكن حياتهم ممزقة، وبعضهم تزوج اكثر من مرة.. والشبعض دفع ثمن النجاح من صحته وتعاسته الشخصية.. والبعض الآخر تهدمت حياته الزوجية وتمزق الأبناء بين الأباء والامهات .. لكنها مازالت متشككة.. فماذا تقول لى ولها؟
● ولكاتب هذه الرسالة أقول: لماذا ياصديقى نفسد الاحلام الجميلة بالبحث عن العذاب؟
انك تعيش معها حلما جميلا من احلام السعادة الزوجية وكلاكما منحفور فى قلب صاحبه بنقوش عميقة من الزكريات وقصص الكفاح وروابط التفاهم العميق والايثار.. فلماذا تفتحان على نفسيكما ابواب الجحيم؟
اننى اصدقك وان هلفنى البعض فى ذلك حين تقول لى انك سعيد فى حياتك كما هى الآن وراض بها ولا تحس برغبة حقيقية فى هم هذه السعادة جريا وراء الانجاب، مادامت هذه هى ارادة الله ولا راد لارادته، اصدقك ياسيدى لأن لكل حال جمالها كما لكل حال ايضا مشاكلها.. ولآن كثيرين غيرك يستطيعون العيش بغير الانجاب ولا يفرطون فى شريكات العمر لهذا السبب وخجه أبدا ولا غرابة فى ذلك.. ألسنا نرى فى الحياة عديدين يستطيعون الحياة بلا زواج من الأصل ؟ فما وجه الغرابة اذن فى ان يكتفى مصلك بهذه الزوجة الرئعة المتفانية فى اسعادك الى حد التطوع باكمال ما تعتقده من نقص فى حياتك باقتراح زواجك من غيرها؟
ان المشكلة ليست مشكلتك انت ياصديقى .. لكنها فى رأيى مشكلة زوجتك التى تعانى من قلق كامن على سعادتها، ومن خوف شديد من ضياعها.. لذلك فهى "تدافع" عن سعادتها بهذا الاقتراح كأنها تتعجل مواجهة المشكلة قبل ان تفاجأ بها وهى غافلة عنها!
انها تتصور ان هذه الرغبة كامنة داخلك انت.. وتحاول مساعدتك على اظهارها.. وتعفيك مقدما من أى شعور بالذنب تجاهها وهى فى ذلك سيدة عظيمة بكل معانى الكلمة.. لكنها تظلم نفسها كثيرا بلا داع و"اختباراتها" المتكررة لاكتشاف مدى حبك للأطفال عذاب لا مبرر له.. لأن رضانا عن حياتنا بلا اطفال احيانا لا يعنى ابدا ان نكرهم لان حب الأطفال شعور انسانى طبيعى سواء اكنا محرومين منهم ام غي محرومين ولا يعنى حبنا للآطفال اننا نريدهم جميعا ابنا لنا.
ثم لماذا ننظر دائما الى المستقبل هذه النظرة الحزينة الخائفة غير الأمنة على سعادتنا؟ أليس عجيبا أننا لا نكاد نقترب من اآ انسان تمضى حياته بلا مشاكل درامية ظاهرة حتى نكتشف داخله اعماقا حزينة خائفة من المستقبل؟ لقد اصبحت اشك دائما فى ان هذاالميل الغريزى للحزن داخلنا هو من ثمار تربية خاطئة فى بيئات اسرية حزينة تستجيب لدواعى الحزن بأكثر مما تستجيب لدواعى السرور وتستغرب السعادة وتتوقع لها دائما نهايات مأساوية.. بل وتتوجس من الرور خوفا مما سوف يليه من احزان.
ألسنا جميعا شركاء بشكل أو بآخر فى هذه النظرة الخائفةالحزينة؟ والسنا جميعا شركاء فى هذه الجريمة التى تسرق ايامنا بغير ان ندرى وتبددها فى المخاوف والاحزان غير الجدية.
ان زوجتك خائفة على سعادتها معك ياصديقى وتحاول ان تدفع عن نفسها هذا الخوف وهذا القلق على مستقبلها معك بهذا الاقتراح فطمئنها على سعادتها وعلى نفسها وأكد لها ان كليكما مشدود للآخر بحبل سرى لمن ينقطع ولن ينقطع باذن الله.. فاذا كانت هى تحس بالحنين الى الأطفال فما اسهل ان ترعى طفلا يتيما محروما تفرغ فيه امومتها المكبوتة وتخدم به الحياة وتخفف من بعض آلامها، اما اذا كانت لا ترغب فى ذلك فلتواصلا حياتكما كما هى.. ولتستمعا بما بينت ايديكما من اسباب للسعادة.. لأن "لكل شىء اذا ما تم نقصان" كما يقولون ولأن لكل انسان حظه فى الحياة، لأن الحظوظ تتفاوت دائما بين البشر فتعطى الدنيا لانسان شيئا وتسلبه شيئا.. وتعطى للآخر اشياء وتسلبه اشياء اخرى فتتساوى الأقدار دائما فى النهاية وان بدا لنا غير ذلك.
الحظوظ تتفاوت دائما بين البشر فتعطى الدنيا لانسان شيئا وتسلبه شيئا.. وتعطى للآخر اشياء وتسلبه أشياء اخرى فتتساوى الأقدار دائما فى النهاية وان بدا لنا غير ذلك.
لقد اعجبنى منطقك وانت تذكرها بحال بعض زملاء الدراسة من المشاعير الذين تجرعوا التعاسة رغم وجود الابناء .. ولو شاءت هى لقصصت عليها عشرات القصص من هذا النوع، لكنها لا تحتاج الى ذلك لأنها تعرف تماما ان ثروتها منالسعادة لا تقدر بمال.. لكنها خائفة .. والخوف قد يدفع الانسان للمبادأة بالهجوم دفاعا عن نفسه..كما فعلت هى باقتراحها هذا .. لذلك فانى اطمئنها نيابة عنك الى انه لا أساس لمخاوفها هذه ولامبرر لها واؤكد لها مرة اخرى ان علينا دائما ان نسلم بارادة الله وان نشكره على ما اعطانا وان نصبر على ما يشقينا، فاذا فعلنا ذلك تصبح "المخاوف كلهن أمان" كما يقول الشاعر .. وكما أتمنى لكما دائما بأذن الله ,
انا ياسيدى شاب اقترب من الأربعين تخرجت فى معهد عال منذ حوالى 17 عاما وتخصصت فى احد المجالات الضرورية للعمل الفنى لكن صاحبها يبقى معظم حياته فى الظل شهرة ولا يحفظ الناس اسمه وحين كنت فى السنة الثانية بالمعهد .. ارتبطت عاطفيا بزميلة لى شدنى اليها صفاؤها..
وجمعت بيننا الظروف المتشابهة فلقد كانت مثلى مقطوعة من شجرة كما يقولون يتمية الأب تعيش مع أمها فى احدى المدن القريبة من القاهرة على معاش صغير بلا اخوة ولا اعمام او خالات، وليس لها سوى اقارب بعيدين صلتها بهم شبه منقطعة.. وكنت يتيم الأوبين لى شقيقتان فرقت الدينا بينى وبينهما فاحداهما تزوجت وعاشت فى البحر الأحمر والأخرى تزوجت واستقرت مع زوجها فى سوهاج فى بيت الأسرة.. وجئت انا الى القاهرة الكبيرة لألتحق بالمعهد .. معتمدا على ما تبقى من معاش أبى، وأقمت فى السرايات فى احد اليبوت التى تقبل سكنى الطلبة وفى هذه الظروف التقينا .. هىتقيم فى بيت الطالبات يلتهم كعظم معاشها وانا اقيم فى غرفة مفروشة تلتهم معظم معاشى.. وبادافع من الوحدة.. والتماس الصحبة كنت امضى معظم يومى فى المعهد ادرس واقرأ .. واتكلم مع زملائى وزميلاتى .. وكانت هى مثلى تمضى معظم نهارها فيه واقترب كل منا من الآخر.. ووجد فيه عزاؤه عن غربته ووحدته.. وذات يوم كنا نشاهد بروفة مسرحية كجزء من دراستنا فى احد المسارخ وسط المدينة .. وكنت جائعا فتسللت من المسرح لأذهب الى محل للفول مواجه له.. فوجدتها فيه تأكل الساندوتس.. فشاركتها المائدة وطلبت طعامى.. وبعد انتهائه طلبت منى ان اوصلها الى بيت الطالبات لأن الوقت تأخر بها.. وانحشرنا فى الاتوبيس الى الجيزة وعندما صافحتنى مودعة استبقيت يدها فى يدى وسألتها سؤالا واحدا هل: هل مأحس به تجهاها هو نفس ما تحس به نحوى؟ فأومأت بررأسها نعم.. ثم انفلتت جارية الى مسكنها .. ووقت أنا مذهولا منالسعادة لحظات قبل ان استدير عائدا الى مسكنى.. كنا ايامها فى السنة الثالثة بالمعهد فأصبحت أصحو مبكرا لأذهب الى ميدان الجيزة سيرا على الاقدام وأق على محطة الأوتوبيس القريبة من بيت الطالبات حتى تجىء ثم نركب معا الى المعهد .. فتمضى اليوم كله معا ثم نعود الى ميدان الجيزة فأودعها وأسير انا الى غرفتى فى بين السرايات وهكذا كل يوم نذهب معا ونشارك فى نشاط المعهد معا.. ونذاكر معا فى حديقة الأورمان .. او نشاهد تجارب الفرق المسرحية والندوات معا، وقد عرف كل الزملاء ارتباطنا واحترموا علاقتنا التى توجناها بالخطبة فسافرت الى بلدتها فى عطلة نهاية الأسبوع والتقيت بأمها وطلبت يدها منها.. وقدمت لها دبلة الخطبة وعدنا سعيدين الى دراستنا.
وتخرجنا معا فى يوم واحد .. وجاءنا تعيين القوى العاملة بعد شهور فأنقذنا من الضياع.. فعينت هى فى وظيفة صغيرة بأحد قصور الثقافة .. وعينت انا فى وظيفة اصغر بأحد اجهزة الثقافة، وبدأنا نستعد لبناء عشنا.. بلا سلاح سوى مرتبينا الصغيرين.
وفى هذه الفترة مارست اعمالا كثيرة لكى اجمع بعض المال لأستئجار شقة.. فكنت اطوف على مكاتب الاعلان لأعرض عليهم كتابة الاهلانات الضخمة التى تعلق فى الشوارع لأنى اجيد كتابة الخط والرسم الى حد ما.. وكنت اجد فرصة احيانا فأحمل جردل اللون والفرشة الضخمة وارسم واكتب مقابل جنيهات. وكانت هى تخرج من عملها تبحث عنى فى شوارع القاهرة فتجدنى مرة فى شارع رمسيس ومرة فى الهرم واقفا امام لوحة اعلانات.. فتأتى لى بساندوتشات افول والطعمية .. ثم تحمل الى الأدوات وأنا على السلم وتشاركنى الكتابة والرسم الى ان ينقضى النهار ونعود سعداء بالجنيهات التى اعطاها لنا المعلم.. ثم جاءت انتخابات عامة اشتد الطلب شفيها على الخطاطين لكتابة لوحات الدعاية.. فأمضينا ليالى عديدة ساهرين فى ميدان الجيزة نكتب اللافتات ونسلمها لأصحابها.. وبعد ان انتهت الانتخابات كان معنا ما يكفى لاستئجار شقة متواضعة بالدور الأرضى فى بيت شبه ريفى من بيوت الهرم فى ذلك الوقت ورغم تواضعها فلقد فرحنا بها فرحة العمر.. وأسرعنا ننقل ملابسنا اليها ونشترى "اثاثا" .. وكان أثاثا عجيبا بحق.. لكننا فرحنا به ورأينا فيه رياشا فاخرا.. فبروحها الساخرة الصافية نزلنا الى احد محلات الكليم فى الجيزة واشترينا 3 قطع من الكليم الملون ووسادتين وبطانية وبعض ادوات المطبخ "وسبرتاية" وعدنا للشقة.. فراحت "تفرشها" تفرش كليما فى غرفة خالية وتقول هذه غرفة النوم.. وكليما فى غرفة اخرى وتقول هذه هى غرفة المعيشة.. وكليما فى غرفة الصالة وتقول هنا الأنتريه.. أما الغرفة الثالثة فتركتها خالية للمستقبل! وحددنا ويم عقد القران والزفاف واستدعينا أمها.. وأرسلت اتسدعى شقيقتى ثم اذعنا بين الاصدقاء وزملاء الدفعة موعد القران.. وكان بعضهم قد بدأ يعرف طريق الشهرة والمال.. فى عالم المسرح والفن فجاءوا جميعا يحمل كل منهم شيئا للبيت او الحفل.. بل جاء احدهم وكان من اقرب الاصدقاء الى قلبى يحمل معه "ترابيزة" كبيرة من بيته قال انه لا يحتاج اليها.. وآخر جاء ومعه دستة فناجين وبراد شاى وثال معه شارئط زينة وبالونات قام بتعليقها فى الشقة ورابع جاء ومعه دستتان من المقاعد المؤجرة من محل فراشة قريب.. وهكذا وبعد انصراف المأذون .. بدأ الزملاء يقيمون لى زفة وحفل زفاف استمر حتى الصباح.. أقسم لك انه لو اراد مليونير ان يقيمه لابنته الآن لتكلف عشرات الألوف لأن مطربيه ونجومه أصبحوا الآن من المشاهير! الذين يتقاضون الألوف!
المهم بدأنا حياتنا الزوجية سعداء وليس فى غرفة نومنا سوى كليم ووسادة وبطامية وبدأنا نشترى قطع الأثاث قطعة قطعة.. وبدأت هى تفصل الستائر وتعيد طلاء الشقة وخلال 3 اعوام كان لدينا شقة مقبولة من كل الوجوه,
وبدأت أنا انجح فى عملى ويزيد رزقى .. فأعطيه كله لفتاتى تتصرف فيه بحكمة.. وبعد 5 اعوام من الزواج نجحت فى استئجار شقة حديثة من 3 غرف فىالهرم ايضا ولكن على وش الدنيا انتقلنا اليها "بزفة" اخرى من الزملاء والأصدقاء .. واصبح لنا اثاث معقول.. وأصبحت لى غرفة مكتب ومائدة رسم أعمل عليها فى البيت.. اما هى فقد زادت جمالا وتوردا واصبحت اكثر حبا للناس وللحياة.. وقد الحت على امها لتعيش معنا فأصبحت تمضى معنا بعض شهور السنة وهى سيدة طيبة كأبنتها من هذا النوع الذى لا يكره احدا، وكلما اهديت لزوجتى فستانا او بلوزة جميلة.. فرحت بها ثم ارتدتها مختالة لفترة.. وبعد ذلك اراها بالصدفة على بنت البواب .. او ابنة المكوجى او اى فتاة تتعامل معها.. فاذا سألتها قالت لى ببساطة ان الصوب "يدعو" لصاحبه وهو على جسم غيره حتى يذوب آخر خيط فيه.. وأنها توزع كل ملابسى القديمة وملابسها ايضا لطلب الدعاء ..لكى بحفظ الله لنا سعادتنا وصحتنا، واسمع ذلك فأزداد حب لها وأفهم ساعتها سر خلو دولابى من كل ملابسى وملابسها التى لم يمض اكثر من عام اة عامين على شرائها وأضحك حين تذكرنى اذا ناقشتها فى ذلك بكفاحنا او عندما تقول لى هل تريد لغيرم ان يكون وحيد "البطلون والبلوفر" او وحيدة " الفستان" كما كنا فى شبابنا؟!
لقد زادتها النعمة صفاء على صفاء وحبا للدنيا والناس.. وحين عرضت عليها ذات يوم ان تستقيل من عملها وتتفرغ للبيت رحبت بذلك استجابة لطلبى وقالت لى انه ليس لها اى طموح سوى ان تسعدنى وتسعد معى بقية أيام حياتناـ وفعلا استقالت غير نادمة وزادت حياتى بهجة بتنظيم امورى وعملى الذى توسع بعد ان تعاملات مع المخلات التجارية واصبحت مصمم ومنفذ ديكور مكلوبا فى السوق.. وأصبحت هى تشاركنى فى عملى.. فترسم وتصمم وتشارك فى التنفيذ.. وذوقها ممتاز ودائما استشيرها فى اعمالى..
ثم نأتى الى المشكلة .. وهل تخلو حياتى من مشاكل ياصديقى كما تقول دائما؟
ان المشكلة التى لابد انك فهمتها هى أننا مازلنا بعد 14 عاما من الزواج "عروسين" نتبادل الحب والاخلاص والاحترام ولكننا وحيدان تماما بلا أطفال وبلا امل فيهم! فلقد شغلنا بحبنا وسعادتنا وكفاحنا خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج فلم نلتفت الى اننا لم نرزق أطفالا.. ثم بعد ان استقرت احوالنا المادية وانتقلنا الى الشقة الجميلة بدأنا نواجه تساؤلات الأصدقاء لكنى لم اكن قلقا بسب ذلك.. حتى لاحظت ان زوجتى قد بدأت تشرد احيانا بعيدة عنى .. وحين سألنها صارحتنى بأنها قد فحصت نفسها وان الطبيب قد قال لها انه لا امل فى الانجاب.. وصدقنى انى لم اهتز لذلك.. وقد وجدت فيها الأم والزوجة والابنة والابن ولست احتاج معها الى شىء آخر.. مادامت هذه هذه ارادة الله. ونسيت الأمر كله .. حتى جاء يوم وجدت بالصدفة فى دولابها فستانا واسعا من الفساتين التى ترديها الحوامل .. لم تكن قد اشارت اليه معى من قبل .. فأدركت انها تحن الى ان تكون ككل الزوجات حاملا وان ترتدى هذا الفستان الواسع لكى تختال به.. وادركت عمق المشكلة لديها وحزنت لذلك التخفيف عنها بانتهاز الفرص لكى اقول لها فى كل حين اننى سعيد بحاتى معها وان نشأتى كطفل وحيد يتيم قد نفرتنى من الأطفال .. واننى لا أطيق "دوشتهم" ومشاكلهم.. الخ فتمعنى باهتمام وشك كأنها لا تصدقنى .. ثم تبتسم وتقبلنى وتقلولى ساهمة: ظننت انك تحب الأطفال وتريدهم! فأقسم لها على عكس ذلك.. ثم ننسى الموضع كله الى ان تأتى مناسبة أخرى وهكذا.. ولقد جاءت المناسبة هذه المرة على غير قصد منى .. اذ كنت استعد لركوب سيارتى من امام بيتى فوجدت مجموعة من اطفال العمارة يلهون حول السيارة وفوقها.. فداعبتهم وداعبتهم هىمعى ثم دعتهم زوجتى للركوب معنا فى جولة حول العمارة فركبوا متصايحين وانحشروا فى السيارة وطلبت منى التجول بهم قليلا وهى تضحك وتلاعبهم وبعد ان انزلناهم وواصنا طريقنا كانت سعيدة ضاحكة .. لكنها بددت سعادتى فجأة باقتراح غريب، فهل تدرى ماذا اقترحت على زوجتى؟ لقد قالت لى انها لا تريد من الدنيا سوى سعادتى.. وأنها تأكدت من حبى للآطفال من خلال ملاحظات عديدة وأنها لا تريد حرمانى من شىء اريده بسببها.. لذلك فهى تقترح على ان اتزوج زوجة اخرى لأنجب منها طفلا يحقق رغبتى .. على ان نستمر فى حياتنا الزوجية السعيدة معا! ظننتها تمزح.. لكنها اكدت لى انها جادة، وعادت الى نفس الحديث بعد ايام بجدية تامة مؤكدة لى انه من الأفضل لها ان يتم ذلك بموافقتها بدلا من ان يتم فى الخفاء بعيدا عنها.. وانها لن تحس بأى غضاضة فى ذلك لأن ما يهمها هو سعادتى .. كما ان امكانياتى الآن تسمح لى بفتح بيت آخر وحبذا لو كان قريبا من مسكننا لكيلا أتشتت بينهما.. وأن كل ما تطلبه منى هو ان اكون عادلا بين الحياتين والبيتين!
لقد رفضت هذا الاقتراح لكنه أزعجنى.. لأنه كشف لى عن عمق المشكلة.. ولم اعد الى الحديث فيه ممن جديد.. حتى اثارته منذ ايام وطالبتنى بالتفكير فيه بجدية وحين رفضت شارحا أسبابى أصرت.. حتى اقترحت عليها تخلصا منالموقف ان نحكمك بيننا وهانذا افعل ..واطلبك با، تقول رأيك بصراحة.. مع العلم بأنى لا اشعر بحاجتى الى الأطفال وقد اعطتنى الحياة هذه الشريكة المحبة.. وهذا النجاح .. وهذه السعدة حتى لقد استعرضت معها احوال بعض زملاء الدراسة القدامى الذين اصبحوا من المشاهير الآن، وبعضهم انعم الله عليهم بالانجاب لكن حياتهم ممزقة، وبعضهم تزوج اكثر من مرة.. والشبعض دفع ثمن النجاح من صحته وتعاسته الشخصية.. والبعض الآخر تهدمت حياته الزوجية وتمزق الأبناء بين الأباء والامهات .. لكنها مازالت متشككة.. فماذا تقول لى ولها؟
● ولكاتب هذه الرسالة أقول: لماذا ياصديقى نفسد الاحلام الجميلة بالبحث عن العذاب؟
انك تعيش معها حلما جميلا من احلام السعادة الزوجية وكلاكما منحفور فى قلب صاحبه بنقوش عميقة من الزكريات وقصص الكفاح وروابط التفاهم العميق والايثار.. فلماذا تفتحان على نفسيكما ابواب الجحيم؟
اننى اصدقك وان هلفنى البعض فى ذلك حين تقول لى انك سعيد فى حياتك كما هى الآن وراض بها ولا تحس برغبة حقيقية فى هم هذه السعادة جريا وراء الانجاب، مادامت هذه هى ارادة الله ولا راد لارادته، اصدقك ياسيدى لأن لكل حال جمالها كما لكل حال ايضا مشاكلها.. ولآن كثيرين غيرك يستطيعون العيش بغير الانجاب ولا يفرطون فى شريكات العمر لهذا السبب وخجه أبدا ولا غرابة فى ذلك.. ألسنا نرى فى الحياة عديدين يستطيعون الحياة بلا زواج من الأصل ؟ فما وجه الغرابة اذن فى ان يكتفى مصلك بهذه الزوجة الرئعة المتفانية فى اسعادك الى حد التطوع باكمال ما تعتقده من نقص فى حياتك باقتراح زواجك من غيرها؟
ان المشكلة ليست مشكلتك انت ياصديقى .. لكنها فى رأيى مشكلة زوجتك التى تعانى من قلق كامن على سعادتها، ومن خوف شديد من ضياعها.. لذلك فهى "تدافع" عن سعادتها بهذا الاقتراح كأنها تتعجل مواجهة المشكلة قبل ان تفاجأ بها وهى غافلة عنها!
انها تتصور ان هذه الرغبة كامنة داخلك انت.. وتحاول مساعدتك على اظهارها.. وتعفيك مقدما من أى شعور بالذنب تجاهها وهى فى ذلك سيدة عظيمة بكل معانى الكلمة.. لكنها تظلم نفسها كثيرا بلا داع و"اختباراتها" المتكررة لاكتشاف مدى حبك للأطفال عذاب لا مبرر له.. لأن رضانا عن حياتنا بلا اطفال احيانا لا يعنى ابدا ان نكرهم لان حب الأطفال شعور انسانى طبيعى سواء اكنا محرومين منهم ام غي محرومين ولا يعنى حبنا للآطفال اننا نريدهم جميعا ابنا لنا.
ثم لماذا ننظر دائما الى المستقبل هذه النظرة الحزينة الخائفة غير الأمنة على سعادتنا؟ أليس عجيبا أننا لا نكاد نقترب من اآ انسان تمضى حياته بلا مشاكل درامية ظاهرة حتى نكتشف داخله اعماقا حزينة خائفة من المستقبل؟ لقد اصبحت اشك دائما فى ان هذاالميل الغريزى للحزن داخلنا هو من ثمار تربية خاطئة فى بيئات اسرية حزينة تستجيب لدواعى الحزن بأكثر مما تستجيب لدواعى السرور وتستغرب السعادة وتتوقع لها دائما نهايات مأساوية.. بل وتتوجس من الرور خوفا مما سوف يليه من احزان.
ألسنا جميعا شركاء بشكل أو بآخر فى هذه النظرة الخائفةالحزينة؟ والسنا جميعا شركاء فى هذه الجريمة التى تسرق ايامنا بغير ان ندرى وتبددها فى المخاوف والاحزان غير الجدية.
ان زوجتك خائفة على سعادتها معك ياصديقى وتحاول ان تدفع عن نفسها هذا الخوف وهذا القلق على مستقبلها معك بهذا الاقتراح فطمئنها على سعادتها وعلى نفسها وأكد لها ان كليكما مشدود للآخر بحبل سرى لمن ينقطع ولن ينقطع باذن الله.. فاذا كانت هى تحس بالحنين الى الأطفال فما اسهل ان ترعى طفلا يتيما محروما تفرغ فيه امومتها المكبوتة وتخدم به الحياة وتخفف من بعض آلامها، اما اذا كانت لا ترغب فى ذلك فلتواصلا حياتكما كما هى.. ولتستمعا بما بينت ايديكما من اسباب للسعادة.. لأن "لكل شىء اذا ما تم نقصان" كما يقولون ولأن لكل انسان حظه فى الحياة، لأن الحظوظ تتفاوت دائما بين البشر فتعطى الدنيا لانسان شيئا وتسلبه شيئا.. وتعطى للآخر اشياء وتسلبه اشياء اخرى فتتساوى الأقدار دائما فى النهاية وان بدا لنا غير ذلك.
الحظوظ تتفاوت دائما بين البشر فتعطى الدنيا لانسان شيئا وتسلبه شيئا.. وتعطى للآخر اشياء وتسلبه أشياء اخرى فتتساوى الأقدار دائما فى النهاية وان بدا لنا غير ذلك.
لقد اعجبنى منطقك وانت تذكرها بحال بعض زملاء الدراسة من المشاعير الذين تجرعوا التعاسة رغم وجود الابناء .. ولو شاءت هى لقصصت عليها عشرات القصص من هذا النوع، لكنها لا تحتاج الى ذلك لأنها تعرف تماما ان ثروتها منالسعادة لا تقدر بمال.. لكنها خائفة .. والخوف قد يدفع الانسان للمبادأة بالهجوم دفاعا عن نفسه..كما فعلت هى باقتراحها هذا .. لذلك فانى اطمئنها نيابة عنك الى انه لا أساس لمخاوفها هذه ولامبرر لها واؤكد لها مرة اخرى ان علينا دائما ان نسلم بارادة الله وان نشكره على ما اعطانا وان نصبر على ما يشقينا، فاذا فعلنا ذلك تصبح "المخاوف كلهن أمان" كما يقول الشاعر .. وكما أتمنى لكما دائما بأذن الله ,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق