سيدي.. هل انتهي الحب من حياتنا؟.. هل كل ما يصل إلي بريدك رسائل بلا عواطف, مشاعر قاسية.
خيانة وغدر وعنف بين الآباء والأبناء, وعنوسة وفساد الشباب, أو فقر ومرض ومذلة؟ هل هذه حياتنا الآن, في بريد الجمعة كما في صفحات الحوادث ومسلسلات التليفزيون وبرامجه الليلية الكئيبة؟
ألا توجد رسالة بين يديك تصف فيها فتاة كيف تحب فتاها وتهيم به, وكيف يستعدان للخطوبة أو الزواج؟.. ألا توجد رسالة من شاب معذب بحب فتاة, يراقبها عن بعد لسنوات أو حتي لساعات فينقبض قلبه وترتعش أطرافه, ويعجز لسانه عن الاعتراف لها بحبه؟
لا تغضب مني سيدي, فأنا لا ألومك ولا أطالبك باختلاق حكايات بعيدة عما يصل إليك, ولكني أنتمي إلي جيل عرف معني الحب, فعرف معني النجاح والعطاء, وكان للغناء كما للشعر وللرسم وللابداع مكان ومكانة في حياتنا. في الوقت نفسه أشفق علي أبناء هذا الزمن الذين فقدوا الحب, ففقدت كل الأشياء معناها, وانتشر القتل والفساد في البر والبحر.
سيدي.. لا أريد أن تتحول رسالتي إلي درس وعظ, ولا لدي الرغبة في ادعاء لن يعود علي بشيء, وصدقني رسالتي في بداية العام لها سببان:
الأول: أن أخفف عنك وعن قرائك قليلا, وأدعوهم إلي التعبير عن مشاعرهم ومحاولة احيائها إذا كانت في طريقها للموت, والخروج من دائرة طرح الأحزان والمشكلات, إلي دوائر الحب والأحلام بكل مستوياتها.
أما السبب الثاني: فهو اني حالة أو قصة تستحق أن تروي, قصة للذي أحب ولا طالش, قصة فشل ذريع لحب رائع جدا منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم يكتمل ولن ينتهي.. فزورة هي؟.. سأحلها لكم, فعندما أتحدث عن حكايتي, تجربتي, حياتي, أشعر بنشوة وتجل وأواصل نجاحي وسعادتي, فالحب هو سر الوجود, سر الخلود.
عمري لا يفرق كثيرا, فهو يقاس بأحاسيسي التي لم تتغير, مازلت حتي الآن في منتصف العشرينيات, لا أكذب, نعم عمري الآن57 عاما وفوقها بضعة أيام, ولكني أعيش في نفس تلك الفترة التي تعلمت فيها الحب وعشته.
كان صديقا لأخي الأكبر. وعلي الرغم من أنه ينتمي إلي عائلة فقيرة في بلدتنا. إلا أنه كان مختلفا, مهندما, متفوقا, وفي عينيه نظرة انتصار غريبة.. أبي كان شخصية صارمة, مزهوا بأهله وعزوته, ولكنه طيب القلب, أما أمي فكانت متسلطة, لا تلين أبدا, واعتقد اني أخذت منها صفتها الأخيرة وإن أخذت معها من أبي طيبة القلب, عكس شقيقتي الكبري التي كانت صورة طبق الأصل من أمي, أما أخي فلم يكن له ملمح خاص, بلا شخصية تقريبا, لهذا كان أبي يفضل صحبته لهذا الصديق الذي كان يحرص أخي علي المذاكرة معه, بل كان يأمره ويفرضها عليه, فيما كانت هذه العلاقة لا تريح أمي, وتضعها هدفا لها تنفذه بصرامة بعد انتهاء الامتحانات.
طبيعي أن تتوقع اعجابي بهذا الشاب, بل افتتاني به.. كنت أتسلل في الليل لأسمع صوته الهاديء المتزن وهو يتحدث في حجرة شقيقي.. أخشي النوم فينصرف قبل أن تقع عليه عيناي.. في بداياتي الجامعية كنت.. وفي عامه الأخير كان.. وكان ما كان.
المشاعر لها رائحة تحيي قلوبا وتزكم أنوفا.. ذبذبات مشاعري كانت صارخة, وتلقيت الاشارات من نبضات قلبه, فالتقينا وكأننا ما افترقنا أبدا في تلك المدينة البعيدة, وتكررت اللقاءات وتفجرت ينابيع الحب, وإن لم نتجاوز أبدا, فأنا أعرف حدودي وهو المحترم الذي أعلن هدفه منذ اللحظة الأولي.
كان يحب الزهور مثلما أحبها, ويهوي مطاردة الفراشات, يعشق صوت فيروز في الصباح, ويستكين عصرا مع محمد عبد الوهاب, ولا ينام إلا علي صوت نجاة الصغيرة, فيما كنت أختلف عنه في حبي الأشد لأم كلثوم.
حرصنا كان شديدا حتي لا يعلم أحد بقصتنا التي ملأت عشرات الكراسات في حجرتي حتي يتم تعيينه معيدا في كليته, ليكون قادرا علي التجرؤ وطلب الزواج مني, فهو يعرف أسرتي جيدا ويعي طريقة تفكيرها. ولكن من يمكنه اخفاء الدخان إذا كانت النيران مشتعلة.
عرفت أمي بالحكاية وإن لم تعرف التفاصيل, سألتني فلم أكذب, فصفعتني وهددتني كما هددت شقيقي إذا عرف هذا الشاب أو أدخله البيت مرة أخري.
حاولت استمالة أبي إلي جانبي ولكنه انحاز إلي رأي أمي بأنه زواج غير متكافيء, ولا يليق بعائلتنا العريقة أن تصاهر مثل هذه العائلة المتواضعة.
لم أيأس سيدي, فأنا أعرف قيمة الحب وقيمة من أحب, فأعلنت التحدي, امتنعت عن الطعام ورفضت الذهاب إلي الجامعة, ولجأت لكل الأساليب بدون أن يغير هذا من موقف أسرتي شيئا. وكان حبيبي بدوره يحاول جاهدا, أتي بكبار البلد وأعلن استعداده لأي شيء يطلبونه.. قال لهم انه سيكون أستاذا بالجامعة, وأنه سيضعني علي رأسه وفي عينيه و... و.. دون أي جدوي.
سيدي.. لا أريد أن أطيل عليك, فليس الهدف من كتابتي الآن هو سرد قصة حب فاشلة لم يكتب لها الاكتمال, وإن كنت أراها مكتملة بالنسبة لي.
باختصار ـ قد يكون مخلا ـ لم أتزوجه, وظللنا نتبادل الرسائل والصور خفية لسنوات, كنت قد تخرجت وهو يستعد للحصول علي الماجستير, ومحاولاته لم تنقطع وموقف العائلة لم يتغير. وكان يمكن للأمر أن يستمر هكذا لولا أنه حصل علي منحة للدكتوراة في بريطانيا, وفكر في عدم السفر لولا أني رجوته ففعل, وكانت هذه النهاية. استسلم هو للأمر الواقع بعد يقينه بأنه لا أمل, فتزوج وهو في منتصف الثلاثينيات, أما أنا فقد أقسمت علي نفسي ألا أكون لرجل آخر غير الذي أحببت, فرفضت العرسان تباعا, وفشلت رجاءات أبي وأوامر أمي, وركزت كل طاقتي في العمل, كنت أنجح لأني أحبه, سعيدة بإحساسي الدائم والمتجدد تجاهه, كل خلاياي نشيطة ومتفتحة.
سيدي.. قد تسخر مني أو يفعل ذلك قراؤك, ولكنها الحقيقة.. وأنا ألامس الستين من عمري, وأعيش وحيدة في شقة فخيمة بعد وفاة والدي ـ سامحهما الله ـ أتشمم أخبار حبيبي وأسرته عن بعد, وأتمني له كل خير وسعادة. أشعر أنا الأخري بكل سعادة, فما أحلي أن يكون الحب بكل معناه هو دقات قلبك وأكسجين تنفسك.. بحبه أتقنت وأخلصت في حبي لله.
أشعل الشموع كل ليلة في حجرة نومي, أستمع إلي فيروز وعبد الوهاب وأفضل ـ بعد شجار يومي معه ـ أم كلثوم علي نجاة. أخذت نصيبي من الدنيا غير نادمة, فتلك السعادة قد لا تحصل عليها زوجات كثيرات عشن مع من أحببن أو بغضن.. وهذا ما قصدته ـ سيدي ـ من رسالتي, أن الاحساس بالحب هو قمة الحياة, لذا فمن يريد الحياة عليه أن يحب, ومن يحب لن يقسو أو يقتل أو يخون.. أحبكم الله وأدام لكم أحبابكم.
*سيدتي.. رسالتك غريبة, أصابتني بالارتباك حتي أني فكرت في نشرها بدون تعليق مني.. فهذه هي أنت, حالة خاصة جدا, لا نستطيع أن نخضعها لمقاييس أو ضوابط, للصواب أو الخطأ, قدرة فائقة علي التعامل مع الوحدة والحرمان.. قدرة فائقة علي الاحساس بالشبع والاكتمال والتحقق بالحب الأحادي. بالحب الداخلي العميق.. بالتعايش مع تراث من المشاعر البريئة وكراسات الغرام, فيما الطرف الثاني علي الشاطيء الآخر من النهر يعيش حياته كما استسلم لها, أتم كل المعادلات التقليدية, ولكن هل كان سعيدا, راضيا, مكتملا ومتحققا؟... الله أعلم؟
سيدتي.. لا اعتقد أنك تريدين مني قولا, فأنا أتفق معك في أن الإنسان القادر علي الحب, قادر علي الحياة وعلي النجاح.. والحب هنا ليس يأسا أو انعزالا أو انتحارا, ولكنه اختيار كامل للنجاح والحياة بالتوحد مع المشاعر الايجابية في تجاربنا.
انحيازك كان للحب, وقرارك كان عدم الزواج إلا بمن أحببت, وإلا فما معني الثنائية والتوحد. ووالداك رحلا دون أن يسرقا سعادتك الخاصة, وإن حرماك من حقك الطبيعي في الزواج وتكوين أسرة بفهمهما الخاطيء للتكافؤ, الذي يجب النظر إليه بعين واعية عميقة لمستقبل الطرف الآخر, وقدرته علي تقليل الفوارق الاجتماعية التي تبدو في أغلب الأحيان هشة وشكلية. التكافؤ يجب أن يكون في الدين والثقافة والعلم والمستقبل لا في الثروة.
ليس هذا موضوعنا.. سيدتي فلتنعمي بمشاعرك الرقيقة الفياضة والتي أغدقت علينا, فشوقتنا إلي هذه الأحاسيس الجميلة, وليت رسالتك تكون فاتحة خير في العام الجديد, فيتبعها الأصدقاء برسائل تدعو قليلا إلي البهجة, فقد أعيتنا الآلام والأحزان.. وإلي لقاء بإذن الله.
خيانة وغدر وعنف بين الآباء والأبناء, وعنوسة وفساد الشباب, أو فقر ومرض ومذلة؟ هل هذه حياتنا الآن, في بريد الجمعة كما في صفحات الحوادث ومسلسلات التليفزيون وبرامجه الليلية الكئيبة؟
ألا توجد رسالة بين يديك تصف فيها فتاة كيف تحب فتاها وتهيم به, وكيف يستعدان للخطوبة أو الزواج؟.. ألا توجد رسالة من شاب معذب بحب فتاة, يراقبها عن بعد لسنوات أو حتي لساعات فينقبض قلبه وترتعش أطرافه, ويعجز لسانه عن الاعتراف لها بحبه؟
لا تغضب مني سيدي, فأنا لا ألومك ولا أطالبك باختلاق حكايات بعيدة عما يصل إليك, ولكني أنتمي إلي جيل عرف معني الحب, فعرف معني النجاح والعطاء, وكان للغناء كما للشعر وللرسم وللابداع مكان ومكانة في حياتنا. في الوقت نفسه أشفق علي أبناء هذا الزمن الذين فقدوا الحب, ففقدت كل الأشياء معناها, وانتشر القتل والفساد في البر والبحر.
سيدي.. لا أريد أن تتحول رسالتي إلي درس وعظ, ولا لدي الرغبة في ادعاء لن يعود علي بشيء, وصدقني رسالتي في بداية العام لها سببان:
الأول: أن أخفف عنك وعن قرائك قليلا, وأدعوهم إلي التعبير عن مشاعرهم ومحاولة احيائها إذا كانت في طريقها للموت, والخروج من دائرة طرح الأحزان والمشكلات, إلي دوائر الحب والأحلام بكل مستوياتها.
أما السبب الثاني: فهو اني حالة أو قصة تستحق أن تروي, قصة للذي أحب ولا طالش, قصة فشل ذريع لحب رائع جدا منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم يكتمل ولن ينتهي.. فزورة هي؟.. سأحلها لكم, فعندما أتحدث عن حكايتي, تجربتي, حياتي, أشعر بنشوة وتجل وأواصل نجاحي وسعادتي, فالحب هو سر الوجود, سر الخلود.
عمري لا يفرق كثيرا, فهو يقاس بأحاسيسي التي لم تتغير, مازلت حتي الآن في منتصف العشرينيات, لا أكذب, نعم عمري الآن57 عاما وفوقها بضعة أيام, ولكني أعيش في نفس تلك الفترة التي تعلمت فيها الحب وعشته.
كان صديقا لأخي الأكبر. وعلي الرغم من أنه ينتمي إلي عائلة فقيرة في بلدتنا. إلا أنه كان مختلفا, مهندما, متفوقا, وفي عينيه نظرة انتصار غريبة.. أبي كان شخصية صارمة, مزهوا بأهله وعزوته, ولكنه طيب القلب, أما أمي فكانت متسلطة, لا تلين أبدا, واعتقد اني أخذت منها صفتها الأخيرة وإن أخذت معها من أبي طيبة القلب, عكس شقيقتي الكبري التي كانت صورة طبق الأصل من أمي, أما أخي فلم يكن له ملمح خاص, بلا شخصية تقريبا, لهذا كان أبي يفضل صحبته لهذا الصديق الذي كان يحرص أخي علي المذاكرة معه, بل كان يأمره ويفرضها عليه, فيما كانت هذه العلاقة لا تريح أمي, وتضعها هدفا لها تنفذه بصرامة بعد انتهاء الامتحانات.
طبيعي أن تتوقع اعجابي بهذا الشاب, بل افتتاني به.. كنت أتسلل في الليل لأسمع صوته الهاديء المتزن وهو يتحدث في حجرة شقيقي.. أخشي النوم فينصرف قبل أن تقع عليه عيناي.. في بداياتي الجامعية كنت.. وفي عامه الأخير كان.. وكان ما كان.
المشاعر لها رائحة تحيي قلوبا وتزكم أنوفا.. ذبذبات مشاعري كانت صارخة, وتلقيت الاشارات من نبضات قلبه, فالتقينا وكأننا ما افترقنا أبدا في تلك المدينة البعيدة, وتكررت اللقاءات وتفجرت ينابيع الحب, وإن لم نتجاوز أبدا, فأنا أعرف حدودي وهو المحترم الذي أعلن هدفه منذ اللحظة الأولي.
كان يحب الزهور مثلما أحبها, ويهوي مطاردة الفراشات, يعشق صوت فيروز في الصباح, ويستكين عصرا مع محمد عبد الوهاب, ولا ينام إلا علي صوت نجاة الصغيرة, فيما كنت أختلف عنه في حبي الأشد لأم كلثوم.
حرصنا كان شديدا حتي لا يعلم أحد بقصتنا التي ملأت عشرات الكراسات في حجرتي حتي يتم تعيينه معيدا في كليته, ليكون قادرا علي التجرؤ وطلب الزواج مني, فهو يعرف أسرتي جيدا ويعي طريقة تفكيرها. ولكن من يمكنه اخفاء الدخان إذا كانت النيران مشتعلة.
عرفت أمي بالحكاية وإن لم تعرف التفاصيل, سألتني فلم أكذب, فصفعتني وهددتني كما هددت شقيقي إذا عرف هذا الشاب أو أدخله البيت مرة أخري.
حاولت استمالة أبي إلي جانبي ولكنه انحاز إلي رأي أمي بأنه زواج غير متكافيء, ولا يليق بعائلتنا العريقة أن تصاهر مثل هذه العائلة المتواضعة.
لم أيأس سيدي, فأنا أعرف قيمة الحب وقيمة من أحب, فأعلنت التحدي, امتنعت عن الطعام ورفضت الذهاب إلي الجامعة, ولجأت لكل الأساليب بدون أن يغير هذا من موقف أسرتي شيئا. وكان حبيبي بدوره يحاول جاهدا, أتي بكبار البلد وأعلن استعداده لأي شيء يطلبونه.. قال لهم انه سيكون أستاذا بالجامعة, وأنه سيضعني علي رأسه وفي عينيه و... و.. دون أي جدوي.
سيدي.. لا أريد أن أطيل عليك, فليس الهدف من كتابتي الآن هو سرد قصة حب فاشلة لم يكتب لها الاكتمال, وإن كنت أراها مكتملة بالنسبة لي.
باختصار ـ قد يكون مخلا ـ لم أتزوجه, وظللنا نتبادل الرسائل والصور خفية لسنوات, كنت قد تخرجت وهو يستعد للحصول علي الماجستير, ومحاولاته لم تنقطع وموقف العائلة لم يتغير. وكان يمكن للأمر أن يستمر هكذا لولا أنه حصل علي منحة للدكتوراة في بريطانيا, وفكر في عدم السفر لولا أني رجوته ففعل, وكانت هذه النهاية. استسلم هو للأمر الواقع بعد يقينه بأنه لا أمل, فتزوج وهو في منتصف الثلاثينيات, أما أنا فقد أقسمت علي نفسي ألا أكون لرجل آخر غير الذي أحببت, فرفضت العرسان تباعا, وفشلت رجاءات أبي وأوامر أمي, وركزت كل طاقتي في العمل, كنت أنجح لأني أحبه, سعيدة بإحساسي الدائم والمتجدد تجاهه, كل خلاياي نشيطة ومتفتحة.
سيدي.. قد تسخر مني أو يفعل ذلك قراؤك, ولكنها الحقيقة.. وأنا ألامس الستين من عمري, وأعيش وحيدة في شقة فخيمة بعد وفاة والدي ـ سامحهما الله ـ أتشمم أخبار حبيبي وأسرته عن بعد, وأتمني له كل خير وسعادة. أشعر أنا الأخري بكل سعادة, فما أحلي أن يكون الحب بكل معناه هو دقات قلبك وأكسجين تنفسك.. بحبه أتقنت وأخلصت في حبي لله.
أشعل الشموع كل ليلة في حجرة نومي, أستمع إلي فيروز وعبد الوهاب وأفضل ـ بعد شجار يومي معه ـ أم كلثوم علي نجاة. أخذت نصيبي من الدنيا غير نادمة, فتلك السعادة قد لا تحصل عليها زوجات كثيرات عشن مع من أحببن أو بغضن.. وهذا ما قصدته ـ سيدي ـ من رسالتي, أن الاحساس بالحب هو قمة الحياة, لذا فمن يريد الحياة عليه أن يحب, ومن يحب لن يقسو أو يقتل أو يخون.. أحبكم الله وأدام لكم أحبابكم.
*سيدتي.. رسالتك غريبة, أصابتني بالارتباك حتي أني فكرت في نشرها بدون تعليق مني.. فهذه هي أنت, حالة خاصة جدا, لا نستطيع أن نخضعها لمقاييس أو ضوابط, للصواب أو الخطأ, قدرة فائقة علي التعامل مع الوحدة والحرمان.. قدرة فائقة علي الاحساس بالشبع والاكتمال والتحقق بالحب الأحادي. بالحب الداخلي العميق.. بالتعايش مع تراث من المشاعر البريئة وكراسات الغرام, فيما الطرف الثاني علي الشاطيء الآخر من النهر يعيش حياته كما استسلم لها, أتم كل المعادلات التقليدية, ولكن هل كان سعيدا, راضيا, مكتملا ومتحققا؟... الله أعلم؟
سيدتي.. لا اعتقد أنك تريدين مني قولا, فأنا أتفق معك في أن الإنسان القادر علي الحب, قادر علي الحياة وعلي النجاح.. والحب هنا ليس يأسا أو انعزالا أو انتحارا, ولكنه اختيار كامل للنجاح والحياة بالتوحد مع المشاعر الايجابية في تجاربنا.
انحيازك كان للحب, وقرارك كان عدم الزواج إلا بمن أحببت, وإلا فما معني الثنائية والتوحد. ووالداك رحلا دون أن يسرقا سعادتك الخاصة, وإن حرماك من حقك الطبيعي في الزواج وتكوين أسرة بفهمهما الخاطيء للتكافؤ, الذي يجب النظر إليه بعين واعية عميقة لمستقبل الطرف الآخر, وقدرته علي تقليل الفوارق الاجتماعية التي تبدو في أغلب الأحيان هشة وشكلية. التكافؤ يجب أن يكون في الدين والثقافة والعلم والمستقبل لا في الثروة.
ليس هذا موضوعنا.. سيدتي فلتنعمي بمشاعرك الرقيقة الفياضة والتي أغدقت علينا, فشوقتنا إلي هذه الأحاسيس الجميلة, وليت رسالتك تكون فاتحة خير في العام الجديد, فيتبعها الأصدقاء برسائل تدعو قليلا إلي البهجة, فقد أعيتنا الآلام والأحزان.. وإلي لقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق