الأحد، 17 أكتوبر 2010

ستر الله من بريد الجمعة

{‏ هذه الرسالة كان يجب أن تكون بين يديك منذ عامين‏,‏ ولكنني لم أستطع أن أكتبها إلا الآن فقط‏,‏ بعد أن صفيت الكثير من حسابي لنفسي ومع الآخرين‏,‏ فوجدت فرضا علي أن أرسلها إليك حتي يستريح ضميري‏,‏ هذا إذا كتب الله له الراحة‏!‏

أنا ـ سيدي ـ رجل في نهاية الأربعينيات‏,‏ نشأت في أسرة متوسطة‏,‏ مستورة‏,‏ كان أبي وكذلك أمي‏,‏ صالحين‏,‏ تعبا في تربيتي وأشقائي كثيرا‏,‏ وأصرا علي أن نحصل جميعا علي مؤهل عال‏,‏ ونجحا في ذلك‏.‏ منذ طفولتي وأنا متمرد‏,‏ طموح‏,‏ أحلم بالثروة والوجاهة‏,‏ لذا التحقت بكلية تؤهلني للعمل الخاص‏,‏ وما أن تخرجت‏,‏ حتي التحقت بمكتب لأحد رجال الأعمال الكبار‏,‏ وبدأت تحقيق حلمي الكبير‏.‏

لم أكن متدينا‏,‏ علي الرغم من بيئتي الدينية‏..‏ لا أحرص علي أداء الصلوات‏,‏ وإن كنت حريصا علي صلاة الجمعة‏,‏ بحكم العادة‏,‏ ولأنه لم يكن مقبولا من والدي أن أجلس في البيت وقت الصلاة‏.‏ لم أجد غضاضة يوما في الجلوس في البارات أو الملاهي الليلية‏.‏

وكنت أتعامل مع شرب الخمور علي أنها وجاهة اجتماعية‏,‏ تضعني في طبقة أخري‏,‏ وتتيح لي الجلوس مع شخصيات لم أكن أحلم بالجلوس معها‏,‏ بل وأصادقها‏,‏ فالسكر يزيل الفوارق ويقرب المسافات‏,‏ بل يسقطها تماما‏.‏ لذا فقد نجحت في مصادقة رئيسي في العمل‏,‏ ووصلت إلي رئيس المؤسسة‏,‏ ووصلت إلي مرتبة رائعة في سنوات قصيرة‏.‏

كان لدي نهم شديد للخطيئة‏,‏ أبحث عنها إن لم تأت إلي‏,‏ بدون أي تأنيب للضمير‏..‏

لم يكن يؤلمني إلا وجه أمي الذي يصادفني عند عودتي إلي البيت وقت صلاة الفجر‏,‏ فتقبلني وهي تدعو لي ربنا يهديك يا بني وينور طريقك ويحبب فيك خلقه ويبعد عنك أولاد الحرام ثم تختم دعاءها بسؤالها التقليدي‏:‏ مش هتصلي الفجر يا بني‏..‏ صل واشكر ربنا علي نعمه عليك‏,‏ فأرد عليها‏:‏

طبعا هصلي دلوقتي‏,‏ ثم أهرب منها وأنا نصف واع‏,‏ ونصف متألم‏.‏ فأستسلم للنوم‏,‏ لأصحو وأواصل زحفي‏.‏

في سني عمري المبكرة‏,‏ أدمنت أيضا العلاقات النسائية‏,‏ لم أفرق يوما بين زوجة صديق‏,‏ ابنة جار‏,‏ قريبة‏,‏ أو حتي صاحبة مصلحة أو حاجة‏.‏

استمرت حياتي هكذا‏,‏ حتي اهتزت حياتي بوفاة والدي وعمري يلامس الثلاثين‏..‏ توقفت مع نفسي بعد أن واريت جثمانه الثري ورأيت المقر الذي سأذهب إليه‏,‏ فعدت إلي الله وتبت علي ما فعلت‏,‏ واصطحبت والدتي وذهبنا إلي حج بيت الله الحرام‏.‏ ومع الحزن الذي كانت تعيش فيه أمي‏,‏ إلا أنها كانت سعيدة بهدايتي‏,‏ ففاتحتني في أمر الزواج‏,‏ فرحبت علي الفور‏,‏ ووجدتها فرصة‏,‏ للخلاص نهائيا من الوقوع في الخطيئة‏.‏

سيدي‏..‏ خلال شهور قليلة‏,‏ اشتريت شقة جديدة‏,‏ ورشحت لي والدتي فتاة من العائلة‏,‏ علي خلق وجمال‏,‏ فسعدت بها‏,‏ وأتممنا زواجنا بسرعة شديدة‏..‏ كان الله كريما معي إلي أقصي حد‏..‏ فقررت أن أبتعد عن الأجواء التي كنت أعيشها‏..‏

تركت العمل وأسست مكتبا خاصا‏,‏ وكأن زوجتي هي مفتاح الخير‏,‏ رزقني الله من حيث لا أحتسب‏,‏ فانتعشت أحوالنا‏,‏ وانتقلنا خلال عام واحد إلي شقة أوسع في منطقة أرقي‏..‏ كنت راضيا‏,‏ سعيدا بحياتي‏,‏ خاصة بعد أن رزقني الله بطفلة مثل البدر‏.‏

لن أستطيع أن أصف لك‏,‏ كيف كانت تسير أيامي‏,‏ نجاح يلاحق نجاحا‏,‏ ومع هدوء واستقرار في البيت‏,‏ حتي كنا محط حسد وغبطة كل من حولنا‏.‏

خمس سنوات مرت علي زواجي واستقراري‏,‏ حتي حدث الإنقلاب الكبير‏.‏ ذات يوم زارتني في مكتبي سيدة‏,‏ شديدة الجمال‏,‏ جاءت لي كي أتولي بعض قضاياها‏.‏ في اللحظة الأولي التي رأيتها‏,‏ حدث لي اضطراب شديد‏..‏ تمنيتها‏,‏ اشتهيتها‏..‏

وجدت نفسا أخري غير التي كنتها‏,‏ تلك النفس الفاجرة التي عايشتها سنوات‏.‏ لا أخفيك‏,‏ هي الأخري‏,‏ كانت ماكرة‏,‏ لعوبا‏..‏ حديثها لين‏,‏ مراوغ‏.‏ فوجدتني أتحول إلي ذاك القناص القديم‏,‏ فألقيت عليها بكل شباكي‏..‏ فتوطدت علاقتنا‏,‏ بدأت أسهر معها‏,‏ وأتأخر عن مواعيد عودتي إلي البيت‏,‏ متحججا بكثرة العمل‏.‏ ولك أن تتوقع ما حدث بيننا بعد أسابيع قليلة‏.‏ سقطت في الوحل مرة أخري‏..‏

ولكن هذه المرة أصابني غم ونكد وندم‏,‏ دامت أياما‏,‏ ثم تلاشت كل هذه الأحاسيس بعد أيام‏..‏ وفوجئت بأن غطاء الخطيئة انفتح مرة أخري‏..‏ فتكررت لقاءاتنا‏,‏ وبعد فترة مللتها فابتعدت عنها‏,‏ وإن لم أبتعد عن هذا الطريق‏.‏

عدت ـ ياسيدي ـ إلي سيرتي الأولي‏,‏ كل يوم سهر وخمور ونساء‏..‏ وكل يوم‏,‏ المسافة تبتعد بيني وبين زوجتي التي أنجبت لي طفلة ثانية‏,‏ فانشغلت بتربية الطفلتين‏,‏ وإن لم تنشغل عني‏,‏ بل كانت تعبر عن اندهاشها من تغيري‏,‏ من انقطاعي عن الصلاة‏,‏ وسهري للصباح‏,‏ فكنت أقول لها كلاما غير مقنع عن توتري الشديد بسبب مشكلات في العمل‏,‏ وأنها فترة قصيرة وسأعود إلي ماكنت عليه‏.‏ فكانت تقبل كلامي مجبرة‏,‏ حريصة علي عدم الصدام معي‏.‏

ولكن لم يكن هناك مفر من هذا الصدام‏,‏ عندما بدأت أشرب الخمور في البيت‏,‏ فاعترضت بعنف‏,‏ وقالت لي إنها لن تقبل أن تعيش وابنتاها في بيت لا تدخله الملائكة‏,‏ وهددتني بترك البيت‏,‏ فوعدتها وإلتزمت بعدم شرب الخمور في البيت‏,‏ وإن ابتعدت عنها أكثر‏,‏ وحدث شرخ كبير في علاقتنا‏,‏ حتي شحبت وأصبحت أشاهدها كثيرا تبكي‏,‏ ولكني لم أتوقف عن طريقي‏.‏

كنت كل ما أخشاه أن تعرف أمي ماصرت إليه‏,‏ فتغضب مني وتتوقف عن دعائها لي‏..‏ فقد كنت أستشعر أن ستر ربي لي وعدم عقابه لي‏,‏ بسبب دعواتها‏.‏ كما أني كنت أكثر من فعل الخير‏,‏ أتصدق علي الفقراء‏,‏ وأرعي الأيتام‏,‏ وأتبرع للأعمال الخيرية‏,‏ مؤمنا بأن الحسنات يذهبن السيئات‏,‏ مرددا ـ مثل كل العاصين ـ هذه نقرة وتلك نقرة أخري‏,‏ مكتفيا عقب كل معصية‏,‏ بترديد التوبة‏,‏ وكأني أخدع الله سبحانه وتعالي فيما كنت أخدع نفسي‏,‏ مستسلما لوسواس الشيطان‏.‏

أعوام تلحق بأعوام‏,‏ أحوالي المالية جيدة‏,‏ علاقتي بأسرتي فاترة‏,‏ وعلاقتي بالله مخدرة‏,‏ غارق حتي أذني في الخطيئة‏,‏ واثقا ـ ولا أدري مصدر هذه الثقة ـ في عفو الله وكرمه ورحمته‏,‏ بدون أن أفعل ما أستحق عنه كل هذا‏.‏

سيدي‏..‏ كان يمكن أن تستمر حياتي هكذا‏,‏ لولا تلك الرسالة القاسية ـ علي المذنبين مثلي ـ التي وصلتني من الله منذ عامين‏.‏

كنت في أحد الأماكن مع بعض الأصدقاء‏,‏ ومن بينهم فتاة شديدة الجاذبية‏,‏ متحدثة‏,‏ لبقة‏,‏ واثقة من نفسها‏,‏ ويبدو من مظهرها أنها تنتمي إلي أسرة ثرية‏..‏ فتألقت نفسي الأمارة بالسوء‏,‏ وبدأت في إرسال ذبذبات الإعجاب‏,‏ فتلقفتها‏,‏ وبادلتني إياها‏,‏ فالطيور علي أشكالها تقع‏.‏

تبادلنا أرقام الهواتف والاسطوانات المشروخة‏,‏ وكلانا يعر ف النهاية مقدما‏,‏ وإن كانت تلك الفتاة‏,‏ شديدة الذكاء‏,‏ عصية‏,‏ فلم تلن بسهولة‏,‏ بل أرهقتني أسابيع طويلة حتي تقبل أن تأتي لي في شقتي الخاصة التي استأجرتها في إحدي المدن الجديدة‏,‏ بعيدا عن العيون‏,‏ لهذا الهدف الحقير‏.‏

حددنا الموعد‏,‏ وذهبت في هذا اليوم مبكرا إلي الشقة‏,‏ أعددت كل شيء في انتظار الغنيمة‏..‏ كان الوقت يمر بطيئا مملا حتي جاءني تليفونها قبل الموعد بربع ساعة‏,‏ تخبرني أنها في الطريق‏,‏ فتهلل وجهي وجلست علي نار مترقبا صوت جرس الباب مرة‏,‏ وأخري راصدا الطريق من شرفة الشقة‏.‏ مر الوقت‏,‏ نصف ساعة‏,‏ ساعة‏,‏ لم تأت‏..‏

أصابني القلق والتوتر‏,‏ اتصلت بها فلم ترد‏..‏ فاتصلت مرة أخري‏,‏ ففوجئت بصوت رجل يرد علي‏,‏ فقلت له يبدو إني أخطأت في الرقم‏,‏ فاستمهلني الحديث‏,‏ وسألني هل تعرف السيدة صاحبة هذا التليفون‏,‏ فأجبته بتردد نعم‏..‏ فقال لي‏:‏ بكل أسف‏,‏ السيدة أصيبت في حادث إصابات بالغة‏,‏ ونقلناها أنا وبعض المارة إلي المستشفي‏..‏ فأصبت بانهيار‏,‏ ولم أصدق ما أسمعه‏,‏ فسألته عن اسم المستشفـي‏,‏ فأخبرني‏,‏ وهرولت مرتبكا إلي هناك‏.‏

وصلت وكانت الفتاة قد دخلت الي غرفة العمليات‏,‏ فحاولت الاطمئنان علي حالتها‏,‏ خاصة اني شاهدت ارتباكا وحركة غير طبيعية وهمهمات بين الأطباء والممرضين‏,‏ فسألت عن المدير المسئول وذهبت اليه‏,‏ وفهم اني أحد أقربائها خاصة بعد أن عرضت دفع مبلغ تحت الحساب‏..‏ بعد فترة صمت مريبة من الطبيب‏..‏

قال لي‏:‏ قبل ان أشرح لك حالة قريبتك‏,‏ لابد أن أخبرك بشيء مهم‏...‏ قريبتك في حالة سيئة‏,‏ ولديها كسور متعددة‏,‏ ونزفت كثيرا‏,‏ لذا فإنها ستحتاج إلي نقل دم‏,‏ وفي هذه الحالات لابد أن نجري تحليلات لدمها‏,‏ ليس فقط لأسباب طبية‏,‏ ولكن للتأكد من أنها ليست مصابة بأي فيروسات معدية‏,‏ ونتهم بعدها بأنها نقلت لها مع الدم‏..‏ والكارثة اننا اكتشفنا انها حاملة لفيروس الإيدز‏.‏

إيدز‏..‏ ازاي‏,‏ منين‏,‏ انت بتهرج‏,‏ إيدز ايه هكذا كنت أردد وأنا مذهول غير مصدق‏..‏ لم أنشغل بإصابتها‏,‏ ولا بإذا كانت ستعيش أو تموت‏..‏ كل ما فكرت فيه اني كنت علي مسافة ربع ساعة فقط من اصابتي بالإيدز‏.‏

لا أتذكر ماذا حدث‏,‏ ولا كيف دفعت أموالا في المستشفي‏,‏ أو اتصلت بالاصدقاء كي يخبروا أهلها للحضور إلي المستشفي‏.‏

كل ما أتذكره‏,‏ اني خرجت أكلم نفسي وأنا في صورة مفزعة‏,‏ لم تفارق خيالي لحظة‏..‏ عدت إلي نفس الشقة‏,‏ وكر الشيطان‏,‏ وكري والشاهد علي خطيئتي ونجاتي‏.‏

دقائق فقط فصلتني عن الاصابة بالإيدز لو كان الله نجاها ووصلت إلي الشقة‏..‏

من المؤكد انها لا تعرف بأمر اصابتها‏..‏ ليس مهما هي‏,‏ تعرف أو لا تعرف تلك قضيتها‏..‏ وقضيتي‏,‏ هل كنت سأعرف أني سأحمل هذا الفيروس القاتل‏..‏ ياربي زوجتي ما ذنبها‏,‏ كنت سأنقل اليها الإيدز‏..‏ نموت معا‏,‏ بفضيحة‏..‏ المسكينة تموت بفضيحة‏,‏ وأنا‏,‏ بناتي واخوتي‏..‏ سترك يارب‏,‏ عفوك يارب‏.‏

سيدي‏..‏ لن أصف لك انهياري‏,‏ وبكائي‏,‏ وخجلي من ربي‏..‏ ما كل هذا الكرم‏,‏ عصيتك فسترتني ورزقتني‏,‏ فلم أبال‏,‏ تحديت عفوك ورحمتك بمعصيتي‏..‏ وها أنا أوشكت علي السقوط في وحل أعمالي بلا خروج‏,‏ ولكنه برحمته الواسعة‏,‏ وبلطف قضائه‏,‏ انتشلني وانقذ أسرتي من الضياع والفضيحة‏.‏

سجدت علي الأرض‏,‏ باكيا‏,‏ مستغفرا‏...‏ تطهرت وقضيت يومي مصليا‏,‏ تائبا‏,‏ قارئا للقرآن‏..‏ لملمت نفسي‏,‏ وعدت إلي بيتي‏...‏

أغلقت غرفتي علي وعلي زوجتي‏,‏ قبلت يديها وقدميها وأنا أبكي‏,‏ طلبت منها أن تسامحني وتعفو عني‏,‏ وعدتها بأن أكون كما تحب وكما كنت‏,‏ فاحتضنتني وهي تبكي وترتجف‏,‏ بدون أن تسألني عما حدث لي‏..‏

كانت رائعة كعادتها دوما‏,‏ بعدها استدعيت ابنتي‏,‏ احتضنتهما في صدري‏,‏ وكأني أبحث عن أمان وطمأنينة لا أعرف الطريق اليهما‏,‏ فطلبت منهن أن يتوضأن لنصلي جماعة‏,‏ ثم سارعت بالذهاب الي أمي‏,‏ جلست تحت قدميها‏,‏ ورجوتها أن تقرأ علي القرآن‏,‏ وتدعو لي‏..‏ ففعلت وابتسامة الرضا وهالة النور تكسوان وجهها الآمن‏.‏

لم أنم في تلك الليلة‏,‏ عاهدت الله علي ألا أعصيه أبدا‏,‏ وان استرضي كل من أخطأت في حقه أو هتكت عرضه ما حييت‏,‏ وبدأت رحلة جديدة في الحياة‏.‏

سيدي‏..‏ أكتب إليك الآن بعد عامين مما حدث‏...‏ مددت يدي بالخير لكل من آذيته‏,‏ طلبت منهم السماح عن أي شيء بدر مني تجاههم‏,‏ لم أفصح عما ارتكبت فقد سترني الله‏,‏ فلما أهتك الأستار‏..‏ ليس في حياتي الآن‏,‏ إلا أسرتي وعملي وفعل الخير‏..‏

انتهز أي فرصة لمد يد المساعدة لمن يحتاج‏,‏ لا أترك فرضا من فروضي‏..‏ ذهبت العام الماضي الي الحج‏,‏ ودعوت لله كثيرا أن يغفر لي ويهدي كل العاصين‏.‏

ستسألني عن تلك الفتاة‏,‏ وأقول لك بدون الخوض في التفاصيل اني ذهبت إليها مرة واحدة‏,‏ بعد خروجها من العناية المركزة‏,‏ ولم تكن تعلم وقتها بحقيقة مرضها بالإيدز‏..‏

ولكني رجوتها ان تسامحني وتتجاوز عن خطئي ودعوت لها بالهداية‏,‏ وان علمت من الأصدقاء بعد ذلك انها اصيبت بالشلل وانهارت بعد معرفتها بما ألم بها‏,‏ وقرر أهلها ان تسافر الي الخارج لتعيش في مصحة لتبتعد عن الأجواء القاسية التي تعيش فيها‏..‏

هداها الله وشفاها وغفر لها ورفع عنها‏,‏ اللهم آمين‏.‏

سيدي‏..‏ لم أكتب اليك لأتطهر من خطاياي‏,‏ فهذا أمر بيني وبين ربي‏,‏ ولا أريد أن أسألك عونا خاصا بالرأي أو بالنصيحة‏,‏ وان كنت لا أستغني عنها‏,‏ ولكني وجدت اني ملزم من خلال حكايتي‏,‏ بتحذير كل شاب وفتاة من نهاية طريق المعصية‏,‏ والتي لا يعرف أحد متي تأتي هذه النهاية المؤلمة وكيف تكون‏..‏

رسالتي أمام الله‏,‏ اني قد أبرأت ذمتي بدرس عمري‏,‏ لعله ينير الطريق لمن هم غارقون في ملذاتهم وشهواتهم‏,‏ غافلون عن ان عين الله العادل لاتنام‏!‏



وأجاب محرر الباب قائلا :

**‏ سيدي‏..‏ ما جاء في رسالتك‏,‏ لا يحتاج مني إلي أي رد أو نصيحة أو رأي‏,‏ فكل كلمة تصرخ بعبقرية التجربة المؤلمة‏,‏ فالألم الإنساني هو الذي يطهر النفس ويسمو بها‏,‏ وهو الذي يكشف تلك الغمامة التي تكسو العيون والعقول‏,‏ وتطفيء نور القلب فتجعله غلفا‏.‏

جاءت رسالتك في الوقت الذي تنتشر فيه الفواحش‏,‏ يجاهر الناس بالمعاصي‏,‏ ناسين أو متناسين‏,‏ ان لهذا الكون قانونا إلهيا لا يهتز ولا يحيد‏,‏ يعدل ولا يظلم‏,‏ لا يساوي بين العاصي والمؤمن أبدا‏.‏

سيدي‏...‏ نغفل كثيرا‏,‏ نخطيء‏,‏ نمارس معاصينا سرا أو جهرا‏,‏ ولا نفيق ونتذكر الخالق‏,‏ إلا عندما يحل علينا غضبه وانتقامه سبحانه وتعالي‏.‏

فالإنسان منا تغره الدنيا‏,‏ فيختال بقوته وجبروته‏,‏ يواصل زحفه نحو الخطيئة‏,‏ مرتكنا إلي أن العقاب لن يأتي‏,‏ وبدلا من أن يفيق ويشكر الله علي ستره وعفوه ورحمته‏,‏ يغريه جهله ـ كما فرعون ـ بأنه ناج لا محالة‏,‏ وكأنه بعيد عن قوانين السماء‏,‏ معفي من الجزاء‏,‏ مميز دون باقي البشر‏,‏ فينغمس أكثر وأكثر في وحل الخطايا‏,‏ وحتي يريح ضميره وينام قرير العين‏,‏ يبالغ في التصدق وفعل الخير مستندا إلي أن الحسنات يذهبن السيئات‏,‏ بدون أن يعي ـ جاهلا أو متعمدا ـ أن السيئات التي تذهب هي التي يتوب عنها ويتوقف عن ممارستها عامدا متعمدا غير عازم علي الرجوع عنها‏.‏

سيدي‏...‏ رأيت معك الصورة التي تخيلتها لنفسك عندما علمت بإصابة تلك الفتاة بالإيدز‏,‏ وتساءلت لماذا لا يفكر كل رجل بهذه الطريقة؟

لماذا لا يضع احتمالا ولو واحدا في الألف ان تلك المرأة التي تشاركه الخطيئة‏,‏ ليس مستبعدا ان تكون مارستها مع غيره‏,‏ وانها قد تصاب بالفيروس اللعين‏,‏ ولا تعرف بذلك‏.‏ ونفس الأمر بالنسبة لأي امرأة تدخل في مثل تلك العلاقة الشائنة مع أي رجل‏..‏ من أدراها مع من كان وماذا فعل وبماذا أصيب؟

*‏ فمن لا يرتدع خوفا من عقاب الله في الآخرة‏,‏ ألا يخشي من انتقامه في الحياة؟

ألم يتأمل أحدهم‏,‏ كيف رعاه الله وحفظه ورزقه المال والبنين‏,‏ وستره وهو يهتك الأعراض؟‏..‏ ألا يسأل نفسه كيف سيكون غضب الله علي مثل هذا العبد المتكبر العاصي المستور؟

سيدي‏..‏ أعانك الله علي ما أنت فيه‏,‏ وغفر لك‏,‏ وهدانا جميعا إلي التوبة قبل فوات الأوان‏..‏ وشكرا لك علي ما قدمته لنا من درس بليغ‏,‏ لعل الغافل فينا يفيق من غفلته‏,‏ ويعود إلي رشده‏,‏ حامدا الله علي ستره لما فات‏..‏


وإلي لقاء بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق