الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

وهذا الوحش من بريد الجمعة

..‏ وهــذا الوحــــــش‏!‏



‏أكتب إليك لعلي أجد حلا وليس كلاما يواسيني‏..‏ أريد حلا من فضلكم‏,‏ حلا من المفكرين‏,‏ من علماء الدين‏,‏ وأرجو أن تقرأ رسالتي بعناية‏.‏

أولا أنا قرأت رسالة هذا الوحش بتاريخ 20 نوفمبر 2009 وآلمتني كثيرا‏..‏ آلمني حال الأب ولكن ليس بالمعني الذي سوف تفهمه من كلامي‏,‏ ولكن آلمني أن يخفف الله عنه بعضا من عذاب الآخرة بإصابته بالمرض في الدنيا‏,‏ كما آلمني حال الفتاة وأقول لها استريحي لقد مات سبب عذابك أنت واخوتك‏,‏ وهو يحاسب الآن‏!‏

طبعا ستتعجب من قسوة كلامي‏,‏ ولكني أقول لك إني ابنة لواحد من هؤلاء المحسوبين علي المجتمع بأنهم آباء‏,‏ قال الأحنف بن قيس لمعاوية‏:‏ أولادنا ثمار قلوبنا‏,‏ وعماد ظهورنا‏,‏ ونحن لهم أرض ذليلة‏,‏ وسماء ظليلة‏..‏ إن غضبوا فأرضهم‏,‏ وإن سألوا فأعطهم‏,‏ ولا تكن عليهم فظا فيملوا ويتمنوا وفاتك‏,‏ أنا بنت أستطيع أن أقول لك وبكل تواضع‏:‏ إن آزر عندما ألقي سيدنا إبراهيم في النار كان أحن عليه من أبينا‏,‏ لا أعلم من أين أبدأ‏,‏ فأنت لن تصدقني فيما أقول‏,‏ ولكن لابد أن تصدقني حتي تجد لي حلا‏,‏ ولابد أن يصدقني قراء بريدك حتي يعيد كل أب قاس النظر في معاملته لأبنائه‏,‏ ويهرع كل ابن وابنة إلي والديه يقبلهما عندما يري ما نحن فيه‏!‏

نحن اختان‏,‏ أنا الصغري وأبلغ من العمر‏24‏ عاما‏,‏ واختي تكبرني بثلاث سنوات كان لي أب يمتلك أسوأ طباع علي وجه الأرض‏,‏ له صوت مثل هدير طائرات حرب أكتوبر‏,‏ يشكو منه دائما سكان المنطقة الراقية التي نسكنها‏,‏ تعودنا من صغرنا أن نستيقظ من نومنا علي سيل من أقذر الألفاظ الموجودة علي وجه الأرض‏,‏ تصل إلي حد ألفاظ كشف العورة بسبب أنه لم يجد علبة الكبريت في مكانها‏,‏ أو أننا اشترينا صابونة جديدة قبل اختفاء القديمة تماما‏,‏ أو أننا رتبنا حاجياته المبعثرة بشكل قذر‏,‏ أو أن كرسي الفوتيه يبعد عن الحائط مسافة‏2‏ سم‏,‏ أو أنه اكتشف ضياع ربع جنيه‏..‏ نعم والله وأقل من هذه القيمة‏.‏

هذا هو أبي الرجل ذو الستين عاما‏,‏ مهندس المعمار المرموق في إحدي كبري الشركات‏.‏ رجل نشأ من صغره بعيدا عن بيته‏,‏ لقد كان والده دائم الطرد له دونما اخوته بسبب عقوقه وتطاوله عليه‏,‏ وهكذا كبر وخطب كثيرا وتزوج وطلق إلي أن وقع حظ أمي العاثر معه‏,‏ وكانت آخر زيجة له‏,‏ ومنذ أول يوم وهو يسيء معاملتها إلي أقسي درجة‏,‏ ويسبها بأقذر الألفاظ‏,‏ وهو ويفتح الشبابيك وباب الشقة حتي يعلم الجيران كم هو رجل‏,‏ فهذه هي الرجولة في نظره‏,‏ يطردها ويأخذ كل ما معها من نقود حتي تشحت من الجيران‏,‏ أو تذهب إلي بيت أهلها البعيد جدا سيرا علي الأقدام‏,‏ أنجبتنا أمي في هذا الجو ولا أعرف لماذا‏!‏ وذقنا كل ما ذاقته من العذاب والهوان معها‏,‏ والصراخ من جانب أبي‏,‏ ووصلة الألفاظ المحترمة التي لم أسمع مثيلها حتي في أقذر الأحياء‏.‏ كان يعتمد علي مرتبها الضئيل‏,‏ فهو يملأ المنزل بالطعام‏,‏ أما الملابس والفسح وشراء أكل مواسم الأعياد‏,‏ كحك العيد الصغير مثلا‏,‏ أو الدروس الخصوصية والدكتور للعلاج من الأمراض كلها من الكماليات‏,‏ فكيف لنا أن نمرض‏,‏ وكيف لنا أن نطلب قليلا من كحك العيد‏,‏ أو حلوي المولد‏.‏ لقد كانت له استراتيجية خاصة كل عيد‏,‏ فهو في وقفة كل موسم يقوم بأكبر خناقة علي وجه الأرض‏,‏ ونتلقي ما نتلقي من السباب والضرب والطرد حتي نذهب إلي بيوت أخوالنا الأغنياء نأكل عندهم‏,‏ ويتخلص هو من عبء أكل الموسم‏.‏ لقد جعل الله الأعياد فرحة لتهدأ فيها النفوس ويتصالح المتخاصمون‏,‏ لكن كل عيد كان لعنة علينا‏,‏ لقد كنا نتحاشي الكلام معه ونحبس أنفسنا حتي لا يرانا ويتلكك لنا‏,‏ ولكن هيهات‏,‏ فهو فنان في النكد‏,‏ مبدع في التلكيك‏,‏ لقد كان أرق وأنظف ما نسمعه هو أنه سوف يأتي بحذائه ويغمسه في قاع التواليت ثم يمسح به وجوهنا‏..‏ يا إلهي كم هو شاعري‏..‏ يا إلهي من أين له بهذا اللسان؟‏!‏

ولعلك تسأل نفسك‏:‏ لماذا لم يتدخل أحد من أقاربنا؟ الكل كانوا يهابون صوته وألفاظه‏,‏ كما أنه كان ممثلا من الدرجة الممتازة‏,‏ فقد كان يقسم كذبا أننا نحن الذين ضربناه وسببناه ومزقنا ملابسه‏,‏ وأننا نرتدي والعياذ بالله ملابس خليعة تجعله يقسو علينا قليلا حتي نعود لرشدنا‏,‏ وهكذا كففنا عن الشكوي فلا جدوي‏,‏ كما أن الجميع نبذنا‏,‏ فنحن دائمو المشكلات‏,‏ كما أنه كان يضربنا ضربا مبرحا إذا ما علم أننا شكوناه‏!‏

لقد وصل الأمر إلي أن أمي كانت تعطيه أحيانا نقودا ليكف عن الشجار‏,‏ فكان يأخذها ويهدأ يوما ثم يعود لسابق عهده‏.‏ لقد كان ما تفعله أمي هو قول‏:‏ حسبنا الله ونعم الوكيل‏..‏ اللهم اعطني جزاء آسيا امرأة فرعون‏..‏ اللهم اجعله لي في الآخرة‏.‏
ماتت أمي الجميلة الوديعة صاحبة أرقي أخلاق‏,‏ كما كان يلقبها الناس‏.‏ ماتت بسرطان في المعدة بسبب كثرة ما كانت تتناوله من أقراص الصداع أو المهدئات علي معدة خاوية‏,‏ فقد كانت تمل الأكل من كثرة النكد‏.‏ ماتت خلال عشرة أيام فقط من مرضها‏,‏ فقد رحمها الله سريعا‏,‏ وكفر عنها سيئاتها بتحملها أبي‏,‏ لاقت جزاء آسيا‏,‏ فأنا والحمد لله أحلم بها دائما تضحك كما يقول القرآن عن جزاء أهل الجنة وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة‏.‏ ماتت وأنا أتذكرها وهي تتوسل لأبي في أيامها الأخيرة قبل مرضها ليجد لها طبيبا وهو ينظر لها ويتشفي‏,‏ أتعلم أنه لم يدفع شيئا في رحلة مرضها القصيرة جدا‏.‏ لقد باعت هي ما باعت ودفعت علاجها‏,‏ ولكن أبي ذا الجبروت ادعي أمام الجميع أنه هو الذي تكفل بعلاجها‏,‏ يا إلهي كيف أحيا وأنا أعلم أنه السبب في تعاستها طول‏26‏ عاما هي مدة زواجهما‏,‏ ولن أقول لك إنه سبب غير مباشر في وفاتها‏,‏ فالأعمار بيد الله‏,‏ وإنا لله وإنا إليه راجعون‏,‏ نحقد عليه سرا أنا وأختي ونحن نراه يضحك ويأكل ويتمتع بحياته‏,‏ ويذهب لأصدقائه‏,‏ ويفحص نفسه فحصا شاملا كل‏6‏ أشهر للتأكد من خلوه من الأمراض‏,‏ فهو رياضي ومحافظ علي نفسه من الدرجة الأولي‏,‏
لقد كنا نظن أن وفاة أمي ستكون سببا في هدايته ولكن هيهات‏,‏ فالهادي هو الله‏.‏


لقد ابتلانا الله بوفاتها وابتلانا بوجوده معنا‏,‏ لقد زاد في إيذائه لنا بسبب رغبته في معاش أمي الضئيل الذي لم يتجاوز‏280‏ جنيها‏,‏ كنا نضرب ونسب حتي نعطي له المعاش مع العلم بأننا لا نعمل وكل حاجياتنا عدا الأكل من هذا المعاش‏,‏ وعندما كنا نشكو لأحد كان يدعي أننا كاذبون وأننا جننا من الصدمة علي وفاة أمنا رحمها الله‏,‏ كما أنه كان يذهب إلي أخوالي من دون علمنا ويدعي علينا بالباطل ليجدوا له عذرا في تصرفاته‏!!‏

مرضنا بالاكتئاب والقولون العصبي‏,‏ وبالضغط وبالصداع المزمن‏,‏ وباضطراب في ضربات القلب‏,‏ وضيق التنفس‏,‏ وجفاف أغشية العين‏,‏ وضعف النظر من كثرة البكاء‏,‏ وذهبنا إلي الأطباء النفسيين بحثا عن علاج‏,‏ وهو لا يرحم ولا يتعظ ولا يمرض حتي بالزكام‏,‏ والحمد لله أنه لا يمرض‏,‏ فأنا لا أريد أن يكفر الله بعضا من ذنوبه بمرضه‏.‏

أريد أن أسأل هل سوف يحاسبني الله علي كرهي له؟ لقد قال القرآن‏:..‏ وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا‏,‏ فهل أرحمه وهو لم يربني‏,‏ أنا لا أتذكر له أي حسنة‏,‏ لا أتذكر سوي سبابه الدائم لنا‏,‏ وتشهيره بنا‏,‏ لا أتذكر سوي مشهد خروجنا في الأعياد باكين وآثار الضرب علي وجوهنا نتحاشي الجيران‏,‏ لا أتذكر سوي معايرته الدائمة لي ولأختي بأننا عوانس‏,‏ ومن ذا الذي سوف يصاهر هذا الرجل حتي وإن كنا اثنين من الملائكة‏,‏ لا أتذكر سوي سبابه بدون سبب لي أمام أصدقائي في المنزل‏,‏ وظهوره أمامهم بهدوم ممزقة وهو يمتلك أفخر الملابس حتي يشعرني بالإهانة‏,‏ لا أتذكر سوي ما أتناوله من أدوية وشكلي أنا وأختي الذي يشبه العجائز من الحزن بسببه‏,‏ وهو لا يتناول غير الفيتامينات‏,‏ لا أتذكر سوي صراخه بجانبي بأقصي صوت وأنا نائمة بعد عناء يوم دراسي حتي أستيقظ مذعورة‏,‏ فكيف ننام وهو مستيقظ‏.‏ هو لا يرحم‏,‏ حتي في عمله‏,‏ قاس‏,‏ لقد تبرع أحد العمال وحاول ضربه بقالب طوب حتي يشفي غليله‏,‏ ولك أن تتخيل أن يضحي عامل بناء بسيط بوظيفته من أجل أن يشفي غليله من كثرة ما يوقعه علي العمال من جزاءات‏.‏

ليته طالبنا بالعمل مثل صاحبة الرسالة حتي نخرج ونجد من يبتسم في وجهنا‏,‏ لا تقل لي اصبري فلماذا لم يصبر الأنبياء‏,‏ وهم أنبياء‏,‏ علي قومهم‏,‏ وكانوا يدعون الله أن ينزل الخسف والعذاب بقومهم‏,‏ ولا تقل لي اعفي وسامحي فإن الله يعفو ويسامح‏,‏ لكني أقول لك إن الله هو النافع الضار‏,‏ المنتقم الجبار‏,‏ يعفو ويغفر بعدما يتذلل له العبد ويتذلل حتي يغفر له‏,‏ ولا تقل لي إن أباك يعاني من معاملة والده‏,‏ فأبي سوي تماما وفي منتهي الرقي مع أصدقائه ومن يعرفهم من علية القوم‏.‏

أطلت عليك ولكن أوجد لي حلا‏,‏ لقد رفع الله البلاء عن سيدنا أيوب بعد‏18‏ عاما‏,‏ فلماذا نحن مستمرون‏27‏ عاما؟‏!‏ ارحمنا يارب وعوض علينا‏!‏

أتعلم لماذا لم يتكلم القرآن عن عقوق الآباء‏,‏ لأنه شيء فوق الخيال‏,‏ لأن الآباء هم الذين ينجبون الأبناء برغبتهم‏,‏ فلماذا القسوة عليهم؟ إني أطلب من قرائك ألا يدعو عليه أحد أو يهجوه أحد‏,‏ فأنا لا أريد سبا في غيبته حتي لا يحاسبني الله‏,‏ ادعوا له بالهداية وادعوا لنا أن ننسي‏,‏ سأصبر‏,‏ سأصبر حتي يعجز الصبر عن صبري‏,‏ واصبر حتي ينظر الله في أمري‏,‏ رحم الله رجلا أعان ولده علي بره‏,‏ اللهم اغفر لي ولأمي ولأمة محمد صلي الله عليه وسلم‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق